| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ مَرْيَمَ المِصْرِيَّة نَسْتَنِدُ في عَرْضِ سِيرَةِ القِدِّيسَةِ مَرْيَمَ المِصْرِيَّةِ إِلَى القِدِّيسِ صُفْرُونْيُوس، بَطْرِيَرْكِ أُورَشَلِيم (634-638). يَقُول: وُلِدَتْ مَرْيَمُ المِصْرِيَّة، المَعْرُوفَةُ بِالتَائِبَة، في مَدِينَةِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ نَحْوَ سَنَةِ 344 مِنْ أَبَوَينِ مَسِيحِيَّين، ولَكِنَّهَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا لِلْمَلَذَّاتِ مُدَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة. وفي أَحَدِ الأَيَّام، رَأَتْ قَوْمًا ذاهِبِينَ إِلَى القُدْس، لِلاحْتِفَالِ بِارْتِفَاعِ الصَلِيبِ المُقَدَّس، فَسَافَرَتْ مَعَهُم، وإِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أُجْرَةُ سَفَرِهَا، أَسْلَمَتْ ذاتَهَا لأَصْحَابِ السَفِينَة، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى بَيْتِ المَقْدِس. ولَمَّا هَمَّتْ بِالدُخُولِ مِنْ بَابِ كَنِيسَةِ القِيَامَة، شَعَرَتْ بِقُوَّةٍ خَفِيَّةٍ تَجْذِبُهَا مِنَ الوَراء، فَحَاوَلَتِ الدُخُولَ مِرارًا فَلَمْ تَقْدِر، فَعَرَفَتْ أَنَّ آثامَهَا هِيَ التي تَمْنَعُهَا عَنِ الدُخُول. عِنْدَئِذٍ اعْتَزَلَتْ في مَكَانٍ هَادِئٍ في جِوارِ بَوَّابَةِ الكَنِيسَة. وكانَ ذَلِكَ سَنَةَ 373، وأَدْرَكَتْ في قَرارَةِ نَفْسِهَا أَنَّ السَبَبَ يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا؛ فَانْفَجَرَتْ بِالبُكَاء، ولَجَأَتْ إِلَى العَذْراءِ مَرْيَمَ قَائِلَةً: "أَنْتِ مَلْجَأُ الخَطَأَة، فَارْحَمِيني!". وفي هَذِهِ المَرَّةِ دَخَلَتْ كَمَا دَخَلَ الباقُونَ بِلَا مَانِع، ولَكِنَّهَا كَانَتْ مُرْتَعِدَة. سَكَبَتْ دُمُوعًا غَزِيرَةً عَلَى خَشَبَةِ الصَلِيبِ المُقَدَّسَةِ وقَبَّلَتْهَا، ثُمَّ مَضَتْ قُرْبَ نَهْرِ الأُرْدُنّ، وهُنَاكَ أَخَذَتْ تَبْكِي، وغَسَلَتْ وَجْهَهَا بِمَاءِ النَهْر، ودَخَلَتِ الكَنِيسَةَ واعْتَرَفَتْ بِخَطَايَاهَا، وتَنَاوَلَتِ الأَسْرارَ المُقَدَّسَة. عَبَرَتِ الأُرْدُنَّ وأَخَذَتْ تَسِيرُ في الصَحْراءِ القَاحِلَة، حَيْثُ مَكَثَتْ سَبْعًا وأَرْبَعِينَ سَنَة. وفي السَنَةِ الخامِسَةِ والأَرْبَعِينَ لِسِيَاحَتِهَا، خَرَجَ القِدِّيسُ زُوسِيمَا إِلَى البَرِّيَّةِ حَسَبَ عَادَةِ الرُهْبانِ هُنَاكَ في زَمَنِ الصَوْمِ الأَرْبَعِينِيِّ المُقَدَّس، لِلاخْتِلاءِ والــتَــنَــسُّــك. وبَـــيْــنَـمَا هُــوَ يَــسِـيـرُ فـي الـصَـحْــراء، رَأَى هَــذِهِ الــقِـدِّيـسَـةَ عَنْ بُعْدٍ فَظَنَّهَا خَيَالًا، وصَلَّى إِلَى اللهِ لِيَكْشِفَ لَهُ أَمْرَ هَذا الخَيَال. فَأُلْهِمَ أَنَّهُ إِنْسَان. أَرادَ اللِحَاقَ بِهِ، فَكَانَ يَهْرُبُ أَمَامَهُ. ولَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ لَمْ يَكُفَّ عَنْ تَعَقُّبِهَا، نَادَتْهُ مِنْ وَراءِ أَكَمَةٍ قــائِــــلَــة: يــا زُوسِــيــمَــا، إِنْ شِــئْـــتَ أَنْ تُــخَــاطِــبَــنـي، فَــارْمِ شَــيْــئًــا أَسْــتَــتِــرُ بِــهِ، لأَنِّي عَارِيَة. فَتَعَجَّبَ إِذْ دَعَتْهُ بِــاسْــمِــهِ، وَرَمَــى لَهَا ما اسْتَتَرَتْ بِهِ، وجَاءَتْ إِلَيه. وبَــعْــدَ الـسَلامِ والمِطَانِيَّات، سَأَلَتْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيهَا لأَنَّهُ كانَ كاهِنًا. واسْـتَـوضَحَـهَا عَـنْ سِيرَتِهَا، فَـقَـصَّـتْ عَـلَـيـهِ جَمِيعَ ما جَرَى لَهَا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِهَا إِلَى ذَلِكَ الوَقْت. فَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ في العَامِ القَادِمِ القُرْبانَ المُقَدَّس، في نَهَارِ خَمِيسِ الأَسْرار. وفي العامِ التالي، حَضَرَ إِلَيها، ونَاوَلَهَا جَسَدَ الرَبِّ يَسُوعَ ودَمَهُ، ثُمَّ قَدَّمَ لَهَا ما مَعَهُ مِنَ التَمْرِ والعَدَس. وطَلَبَتْ مِنْهُ الشَيْءَ نَفْسَهُ لِلعَامِ المُقْبِل. ولَدَى المَوْعِدِ المُحَدَّد، جاءَ يَفْتَقِدُهَا، فَوَجَدَهَا قَدْ تَنَيَّحَتْ، مُمَدَّدَةً عَلَى الأَرْض، وَوَجْهُهَا يَطْفَحُ نُورًا وبَهَاء، وبِقُرْبِهَا أَسَدٌ يَحْرُسُهَا، وعِنْدَ رَأْسِهَا مَكْتُوبٌ عَلَى الرَمْل: "إِدْفِنْ مَرْيَمَ المِسْكِينَةَ في التُرابِ الذي مِنْهُ أُخِذَتْ". وكَذَلِكَ: "لَقَدْ تُوُفِّيَتْ نَهَارَ الجُمْعَةِ العَظِيمَة، بَعْدَ أَنْ تَنَاوَلَتِ الطَعَامَ الإِفْخَارِسِتيَّ الإِلَهِيّ". وفِيمَا هُوَ يُفَكِّرُ كَيْفَ سَيَحْفِرُ الأَرْض، لِمُواراتِهَا الثَرَى، تَقَدَّمَ الأَسَدُ وحَفَرَ الأَرْضَ بِمَخَالِبِهِ. فَصَلَّى الأَبُ عَلَيهَا، ودَفَنَهَا، ثُمَّ عادَ إِلَى دَيْرِهِ، وَهُوَ يَقُول: "حَقًّا إِنَّ العَشَّارِينَ والخَطَأَةَ والزُناةَ سَيَسْبِقُونَنَا إِلَى المَلَكُوتِ السَمَاوِيّ". وأَخْبَرَ الرُهْبانَ بِسِيرَةِ هَذِهِ القِدِّيسَة، فَازْدادوا ثَبَاتًا في المَراحِمِ الإِلَهِيَّة، وتَقَدُّمًا في السِيرَةِ الرُوحِيَّة. وكانَتْ وَفَاتُهَا نَحْوَ سَنَةِ 421، ولَهَا مِنَ العُمْرِ 77 سَنَة. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |
