| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ أَنَاسِيمَا كانَتِ ابْنَةً وَحِيدَةً تَقِيَّةً لِمَلِكٍ، حَكَمَ عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ مَدِينَةٍ في مِصْر. قَرَأَتْ كَثِيرًا سِيَرَ الآباءِ فَأَحَبَّتِ الحَيَاةَ النُسْكِيَّة، كَمَا ثَابَرَتْ عَلَى دَرْسِ الكُتُبِ المُقَدَّسَة، ولا سِيَّمَا الإِنْجِيل. مَاتَ والِدُهَا وَهِيَ صَبِيَّة، فَقَرَّ الرَأْيُ عَلَى أَنْ تُقَامَ مَلِكَةً مَكَانَهُ، وإِذْ عَلِمَتْ بِالأَمْر، إِنْسَلَّتْ خِلْسَةً مِنْ بَيْتِهَا، زاهِدَةً في الدُنْيَا، مُرْتَدِيَةً أَثْوابًا ذَرِيَّة، مُكْتَفِيَةً بِالإِنْجِيلِ المُقَدَّس، وراغِبَةً في الحَيَاةِ الرُهْبانِيَّة. فَتَّشُوا عَنْهَا، فَوَجَدُوهَا وأَرْغَمُوهَا عَلَى تَوَلِّي المُلْك، فَرَضَخَتْ لِلْواقِع. وفي خِلالِ عَامٍ مِنْ تَوَلِّيهَا المُلْك، قَدَّمَتِ الكَثِيرَ لِلْفُقَراءِ والمُحْتَاجِين، وحَرَّرَتِ الكَثِيرِينَ مِنَ العَبِيد، ثُمَّ قَرَّرَتْ أَنْ تَتْرُكَ كُلَّ شَيْءٍ وتَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَة. كَتَبَتْ رِسَالَةً إِلَى الــبَـــطْــرِيَـــــرْك، تَـــرَكَـــتْــهَا فـي حُجْرَتِهَا، وخَلَعَتْ مَلابِسَهَا المَلَكِيَّةَ وارْتَدَتْ ثَوْبًا بَسِيطًا، وخَرَجَتْ حَـافِـيَـةَ الـقَـدَمَـيـنِ تَــتَــسَـلَّـلُ مِـنَ الـقَـصْـرِ فـي مُـنْـتَـصَـفِ الـلَيْل، لِتَنْطَلِقَ خَارِجَ المَدِينَة، وتَسِيرَ في البَرِّيَّة. هُنَاكَ حَارَبَتْهَا فِكْرَةُ العَوْدَةِ إِلَى القَصْر، لَكِنَّهَا أَصَرَّتْ عَلَى أَنْ تَحْتَمِلَ قَسْوَةَ البَرِّيَّةِ مُتَعَبِّدَةً لِلَّه. وفي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ شَاهَدَتْ أَسَدًا يَقْتَرِبُ مِنْهَا، فَصَلَّتْ إِلَى اللهِ وَرَسَمَتْ عَلَيهِ إِشَارَةَ الصَلِيب، ولِلْحَالِ هَدَأَ. والْتَفَّ حَوْلَهَا عَدَدٌ مِنَ الأُسُودِ وأَخَذُوا يُلاطِفُونَهَا وتُلاطِفُهُم، حَتَّى شَعَرَتْ كَأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَلِكَةً عَلَى تِلْكَ الوُحُوش. لَكِنَّهَا تَجَرَّدَتْ حَتَّى مِنْ تَكْرِيمِ الوُحُوشِ لَهَا، فَسَارَتْ وانْضَوَتْ إِلَى أَحَدِ أَدْيِرَةِ النِسَاءِ في مِصْر، بِجَانِبِ نَهْرِ النِيل، فِيهِ ثَلاثُمِئَةِ راهِبَة، وهُنَاكَ تَظَاهَرَتْ بِالجُنُون، فَقَاسَتْ مِنَ الراهِبَاتِ أَنْواعَ الإِهَاناتِ والشَتْمَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ لا تَتَذَمَّر. وفي غُضُونِ ذَلِكَ كانَ الأَنْبَا دانِيَّالُ الإِسْقِيطِيُّ قَدِ اشْتَهَرَ بِقَدَاسَتِهِ ومُعْجِزاتِهِ. فَأُوْحِيَ إِلَيهِ أَنْ يَزُورَ ذَلِكَ الدَيْرَ حَيْثُ القِدِّيسَةُ أَنَاسِيمَا. فَجَاءَ وعَرَفَهَا وجَثَا أَمَامَهَا طَالِبًا صَلاتَهَا. فَانْدَهَشَتِ الراهِبَاتُ مِنْ عَمَلِهِ. فَأَخْبَرَهُنَّ بِأَمْرِهَا ونَسَبِهَا المَلَكِيّ. فَالْتَحَفْنَ الخَجَلَ والنَدَمَ عَلَى جَهْلِهِنَّ لِهَوِيَّتِهَا، وأَسْرَعْنَ إِلَى طَلَبِ المَغْفِرَةِ مِنْهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى القِدِّيسَة، لاحْتِقَارِهَا المَجْدَ العَالَمِيّ. وَلِذَلِكَ خَـرَجَـتْ مِنَ الـدَيْـرِ إِلَى الـبَرِّيَّـةِ دُونَ أَنْ يَــعْـلَمَ بِهَا أَحَـد. وبَــقـِيَـتْ تُــواصِـلُ جِـهَـادَهَــا الـنُـسْـكِــيَّ إِلَى أَنْ رَقَـــدَتْ بِالرَّبِّ نَحْوَ سَنَةِ 379، وَهِيَ السَنَةُ التي تُوُفِّيَ فِيهَا القِدِّيسُ دانِيَّال، الذي كانَ عَارِفًا بِسِيرَتِهَا، وقَصَّهَا عَلَى رُهْبانِهِ فَكَتَبَ أَحَدُهُمْ تَرْجَمَتَهَا. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |
