Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ تِيُودُورُسَ السِّيقِي أَبْصَرَ تِيُودُورُسُ النُورَ في زَمَنِ الإِمْبِرَاطُورِ البِيزَنْطِيِّ يُوسْتِينْيَانُوسَ قَيْصَرَ الأَوَّلِ الكَبيرِ (527-565)، في قَـرْيـَةٍ تُـسَـمَّـى "سِـيـقَـة"، مِـنْ مِـنْـطَـقَةِ أَنْقَرَةَ الغَلاطِيَّةِ في آسْيَا الصُغْرَى. ظَهَرَ لَهُ القِدِّيسُ جِرْجِسُ مَرَّاتٍ عَدِيدَة. راحَ يَتَرَدَّدُ عَلَى رِجَالِ الله، ويَتَعَرَّفُ إِلَى أَنْمَاطِ الحَيَاةِ الرُهْبَانِيَّة، فَازدادَ مَعَ العِلْمِ فَضِيلَةً وتَقْوَى، وراحَ يَتَمَرَّسُ في الفَضَائِل، بِواسِطَةِ العُزْلَةِ والصَمْت، فَمَنَحَهُ اللهُ نِعْمَةَ شِفَاءِ المَرْضَى. ولَمَّا عَلِمَ أُسْقُفُ أَنَاسْتَاسْيُوبُولِيسَ بِمَآثِرِهِ، بَادَرَ إِلَيه، ومِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْسُبَ لِلْقَوانِينِ الكَنَسِيَّةِ حِسَابًا، مَنَحَهُ الدَرَجَاتِ الكَنَسِيَّةَ حَتَّى الكَهَنُوت، وَهُوَ ما زالَ في الثامِنَةَ عَشَرَةَ مِنَ العُمْر، فَازدادَ فَضِيلَةً وقَداسَة؛ وفي وِجْدانِ الأُسْقُفِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ حِرْمانُ شَعْبِ اللهِ مِنْ بَرَكَةِ رَجُلِ اللهِ تِيُودُورُوس. ولَكِنَّ القِدِّيسَ ازدادَ تَشَدُّدًا في نُسْكِهِ، وحَجَّ إِلَى أُورَشَلِيم، وزارَ الأَمَاكِنَ المُقَدَّسَةَ وجَالَ في بَرِّيَّةِ فَلِسْطِين، كَمَا زارَ الأَدْيِرَةَ ونُسَّاكَ البَراري، واقْتَبَلَ الثَوْبَ الرُهْبانيَّ في دَيْرِ الخُوزِيبَا، بِالقُرْبِ مِنَ الأُرْدُنّ. وبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ شَيْخًا وتَنَسَّكَ في البَرِّيَّة، مُواظِبًا عَلَى الإِمَاتَةِ والتَوْبَةِ الصَارِمَة. إِنْتَشَرَ صِيْتُ قَداسَتِهِ في تِلْكَ النَواحي، فَأَتَاهُ الكَثِيرُونَ يَسْتَنِيرُونَ بِإِرْشَاداتِهِ، فَأَنْشَأَ لَهُمْ دَيْرًا وتَوَلَّى إِدارَتَهُم. ثُمَّ عَادَ مَرَّةً ثَانِيَةً لِزِيَارَةِ الجُلْجُلَةِ والأَرْضِ المُقَدَّسَة. ومَا لَبِثَ أَنْ لَزِمَ دَيْرَهُ وخَلْوَتَهُ هَرَبًا مِنْ إِكْرامِ الناسِ لَهُ. ولَدَى وَفَاةِ أُسْقُفِ أَنَاسْتَاسْيُوبُوليس، جاءَ الكَهَنَةُ والأَعْيانُ إِلَى مِتْرُوبُولِيت أَنْقَرَةَ وطَالَبُوا بِتَعْيِينِ رَجُلِ اللهِ أُسْقُفًا عَلَيْهِم. مُذْ ذاكَ شَعَّ كَنَجْمٍ في سَمَاءِ أَبْرَشِيَّتِهِ لأَعَاجِيبِهِ وإِحْسَاناتِهِ وتَوْجِيهَاتِهِ الرُوحِيَّة، ومِثَالًا حَيًّا لِلْكَمَالِ الإِنْجِيلِيّ. وبَعْدَ عَشْرِ سَنَواتٍ مِنَ التَفَاني في الخِدْمَةِ والغَيْرَةِ عَلَى خَيْرِ النُفُوسِ ومَجْدِ الله، وكانَتْ قَدْ ثَقُلَتْ عَلَيهِ مَسْؤُولِيَّةُ الأُسْقُفيَّة، وحَرَمَتْهُ اللَّاهَمَّ الرُهْبانيّ، بَدَأَ يَحْلُمُ بِالاسْتِقَالَة. فَقَبِلَهَا بَطْرِيَرْكُ القُسْطَنْطينِيَّةِ كِيرْيَاكُوسُ والمَلِكُ مَوْرِيقْيُوس. بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ إِلَى دَيْرِهِ لِيَنْعَمَ بِالسُكُون، ويَخْلُو إِلَى اللهِ بِالتَأَمُّلِ في صِفَاتِهِ الإِلَهِيَّة؛ وكانَ يَحُثُّ رُهْبانَهُ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ الكَنِيسَةِ أَوْ إِهْمَالِ الخِدْمَةِ الإِلَهِيَّةِ حَتَّى لأَسْبابِ المَرَض. قال: "عِنْدَمَا نَدْخُلُ بَيْتَ الرَبِّ نَصْعَدُ إِلَى السَمَاءِ ونَلْقَى المَلِكَ السَمَاوِيَّ مُحَاطًا بِكُلِّ حاشِيَتِهِ. إِذْ ذاكَ يُتَاحُ لَنَا أَنْ نُحَدِّثَ اللهَ بِثِقَةٍ ونَطْلُبَ مِنْهُ، مُبَاشَرَةً، كُلَّ مَا نُرِيد". وعِنْدَ دُنُوِّ سَاعَةِ وَفاتِهِ، ظَهَرَ لَهُ القِدِّيسُ جِرْجِس، وأَعْطَاهُ عَصًا ودَعاهُ إِلَى مُرافَقَتِهِ في رِحْلَةٍ طَوِيلَة. إِشْتَرَكَ في كُلِّ خِدَمِ الأُسْبُوعِ العَظِيمِ والفِصْحِ بِفَرَحٍ كَبِير. ومَا إِنْ حَلَّ الأَحَدُ الجَدِيد، الذي صَادَفَ في تِلْكَ السَنَةِ عِيدَ القِدِّيسِ جِرْجِس، حَتَّى وَدَّعَ تَلامِيذَهُ مُؤَكِّدًا لَهُمْ شَفَاعَتَهُ لَدَى الله، إِذا مَا اعْتَنَوا هُمْ بِأَمْرِ خَلاصِهِمْ. ورَقَدَ في 22 نَيْسَانَ سَنَةَ 613. أَلْبَسُوهُ حُلَّتَهُ الأُسْقُفِيَّةَ فَوْقَ الحَدِيدِ الذي كانَ عَلَى بَدَنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهِمْ نَزْعُهُ. وبَعْدَمَا أَقَامُوا سَهْرَةَ عِيدِ القِدِّيسِ جِرْجِس، التي اخْتَلَطَتْ أَنَاشِيدُهَا بِالأَنْغَامِ الجَنَائِزِيَّة، وُرِيَ الثَرَى. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |