Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَينِ بُطْرُس وبُولُسَ الرَسُولَين سِمعانُ بْنُ يُونا، مِنْ بَيْتَ صَيْدا الجَليل، في أَوَّلِ لِقَاءٍ مَعَ يَسُوع، "حَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقال: أَنْتَ هُوَ سِمعانُ بْنُ يُونا، أَنْتَ سَتُدْعَى كِيفَا، أَي بُطْرُسَ الصَخْرَة" (يو 1: 42). كانَ يُمارِسُ مِهْنَةَ صَيْدِ السَمَكِ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ الجَليلِ مَعَ أَخِيهِ أَنْدْرَاوُس، فَدَعَاهُمَا يَسُوعُ قائِلًا: "إِتْبَعَاني فَأَجْعَلَكُمَا صَيَّادَيِ الناس. ولِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِباكَ وتَبِعَاه" (مت 4: 18-19). ومِنْ يَوْمِهَا صارَ "بَيْتُ بُطْرُسَ" في كَفَرْناحُومَ بَيْتَ يَسُوعَ والتَلاميذِ الأَوائِل (مت 8: 14). يَتَفَرَّدُ الإِنْجِيلِيُّ مَتَّى بِذِكْرِ بُطْرُسَ يَمْشِي عَلَى مِيَاهِ بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّا، مِثْلَ يَسُوع، بِأَمْرٍ مِنْ يَسُوع (8: 29)؛ وبِذِكْرِ الرِّيحِ أَنْ "سَكَنَت"، عِنْدَمَا صَعِدَ يَسُوعُ وبُطْرُسُ مَعًا إِلَى السَفِينَة (8: 32)؛ وبِإِعْلانِ إِيمانِ التَلاميذِ بِيَسُوعَ ابْنِ الله (8: 33)؛ وبِإِعْلانِ إِيمانِ بُطْرُسَ بِاسْمِ التَلامِيذ: "أَنْتَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ اللهِ الحَيّ" (16: 16)؛ وبِمَدِيحِ يَسُوعَ لَهُ: "أَنْتَ هُوَ بُطْرُس، أَيِ الصَخْرَة، وعَلَى هَذِهِ الصَخْرَةِ سَأَبْني بِيعَتِي، وأَبْوابُ الجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (16: 18). ويَوْمَ أَعْلَنَ يَسُوعُ لأَوَّلِ مَرَّةٍ في مَجْمَعِ كَفَرْناحُوم: "أَنَا هُوَ الخُبْزُ الحَيُّ النازِلُ مِنَ السَمَاء، مَنْ يَأْكُلْ مِنْ هَذا الخُبْزِ يَحْيَ إِلَى الأَبَد. والخُبْزُ الذِي أَنَا أُعْطِيهِ هُوَ جَسَدِي مِنْ أَجْلِ حَياةِ العَالَم" (يو 6: 51)، ارْتَدَّ عَنْ يَسُوعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاميذِهِ، ولَمْ يَعُودُوا يَتْبَعُونَهُ، فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَي عَشَر: وأَنْتُم، أَلَا تُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا؟ أَجَابَهُ سِمعَانُ بُطْرُسُ بِاسْمِ الاثْنَي عَشَر: "يا رَبّ، إِلَى مَنْ نَذْهَب، وكَلامُ الحياةِ عِنْدَكَ، ونَحْنُ آمَنَّا، وعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ قُدُّوسُ الله" (يو 6: 66-69). وفـي عَــلاقَـــةٍ وَثِيقَةٍ بِاعْتِرافِ بُطْرُس، بَدَأَ يَسُوعُ يُحَدِّثُ تَلاميذَهُ عَنْ آلامِهِ ومَوْتِهِ وقِيَامَتِهِ، لِيُصَحِّحَ ويُكَمِّلَ مَفْهُومَهُم لِمَسِيحانِيَّتِهِ، وتَفْكِيرَهُمُ البَشَرِيّ. "فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ عَلَى حِدَة، وبَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قائِلًا: حَاشَا لَكَ، يا رَبّ! لَنْ يَحْدُثَ لَكَ هَذا! فَأَشَاحَ يَسُوعُ بِوَجْهِهِ وقَالَ لِبُطْرُس: إِذْهَبْ وَرائي، يا شَيْطان! فَأَنْتَ لي حَجَرُ عَثْرَة، لأَنَّكَ لا تُفَكِّرُ تَفْكِيرَ الله، بَلْ تَفْكِيرَ البَشَر" (مت 16: 22-23). ولَمَّا حانَتِ الساعَة، إِتَّكَأَ يَسُوعُ ومَعَهُ الرُسُل، فَقَالَ لَهُمْ: "شَهْوَةً ﭐشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هَذا الفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ آلامي" (لو 22: 14-15). وبَعْدَ العَشاءِ خاطَبَ يَسُوعُ بُطْرُسَ قائِلًا لَهُ: "سِمعانُ سِمعان، هُوَذا الشَيْطانُ قَدْ طَلَبَ بِإِلْحاحٍ أَنْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالحِنْطَة. ولَكِنِّي صَلَّيْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِئَلَّا تَفْقِدَ إِيمانَكَ، وأَنْتَ، مَتَى رَجَعْتَ، فَثَبِّتْ إِخْوَتَكَ. فَقَالَ لَهُ سِمعان: "يا رَبّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ إِلَى السِجْنِ وإِلَى المَوْت". فَقَالَ يَسُوع: "أَقُولُ لَكَ، يا بُطْرُس، لَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ اليَوْمَ إِلَّا وقَدْ أَنْكَرْتَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُني!" (لو 22: 31-34). ويَتَفَرَّدُ الإِنْجِيلِيُّ لُوقَا بَعْدَ كَلامِهِ عَنْ إِنْكارِ بُطْرُسَ لِيَسُوعَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَيَقُول: "صاحَ الدِّيك، فَالْتَفَتَ الرَبُّ وحَدَّقَ إِلَى بُطْرُس، وتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلامَ الرَبّ، فَخَرَجَ وبَكَى بُكاءً مُرًّا" (22: 60-62). ويَتَفَرَّدُ الإِنْجِيلِيُّ يُوحَنَّا بِالحِوارِ بَيْنَ يَسُوعَ وبُطْرُس، في ظُهُورِهِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّة: يَسُوعُ الراعِي الصَالِحُ أَشْرَكَ بُطْرُسَ في رِعَايَةِ حُمْلانِهِ ونِعَاجِهِ وخِرافِهِ، أَي كُلِّ القَطِيع، كُلِّ الشَعْب، ورَغْمَ سُؤالِ يَسُوعَ ثَلاثَ مَرَّات: "أَتُحِبُّني؟" لِيُذَكِّرَهُ بِإِنْكارِهِ لَهُ ثَلاثَ مَرَّات. أجابَ بُطْرُسُ ثَلاثَ مَرَّات: "نَعَمْ يا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ!" (يو 21: 15-17). وبَعْدَ أَنْ أَشْرَكَ يَسُوعُ بُطْرُسَ في رِعَايَةِ الكَنِيسَة، أَشْرَكَهُ أَيْضًا في بَذْلِ نَفْسِهِ عَنْهَا (يو 21: 18-19). وفي كتابِ أَعمالِ الرُسُلِ يَقُومُ بُطْرُسُ بِدَوْرِ المَسْؤولِ الأَوَّلِ في جَماعَةِ الرُسُل، إِذْ يَتَكَلَّمُ بِاسْمِهِمْ لِيَخْتارُوا مَتِّيَّا مَكانَ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيّ (1: 15). وبِاسْمِهِمْ خَطَبَ يَوْمَ العَنْصَرَةِ أَوَّلَ خُطْبَةٍ رَسُولِيَّةٍ تَخْتَصِرُ في شَكْلٍ بَسِيطٍ التَعْليمَ الرَسُوليَّ في شَأْنِ تَدْبِيرِ الرَبِّ يَسُوعَ الخلاصيّ، مَعَ دَعْوَةٍ مُلِحَّةٍ إِلَى التَوبَةِ والإِيمانِ بِهِ، وكانَ إِطارًا لِلإِنجيلِ وتَصْمِيمِهِ العَامّ (1: 14-41). لَدَى هَذِهِ المُعْجِزاتِ والآياتِ الباهِرَةِ التي تَمَّتْ عَلَى أَيْدِي بُطْرُسَ والرُسُلِ خافَ المَسْؤُولُون: الأَحبارُ والفَرِّيسِيُّونَ والصَّدُّوقِيُّون، فَقَبَضُوا عَلَى بُطْرُسَ ويُوحَنَّا وأَلْقَوهُمَا في الحَبْس، ولَكِنْ لَمْ يَجِدُوا فِيهِمَا عِلَّةً صَوابِيَّةً تَجْدُرُ بِالقَبْضِ عَلَيْهِمَا، فَأَطْلَقُوهُمَا خَوْفًا مِنَ الشَعْب (أع 4: 21). كانَتْ جَماعَةُ الرُسُلِ تَعْمَلُ مَعًا بِهَدْيِ الرُوحِ القُدُس، وكــانُــوا يَتَشَارَكُونَ في كُلِّ شَيْء. إِخْتَصَرَهَا لُوقَا بِهَذِهِ العِبارَة: "كــانُـــوا يُــواظِـــبُـــونَ عَـــلَـــى تَــعْـــليـــمِ الـــرُسُـــل، والمُشَارَكَة، وكَـــسْـــرِ الـخُــبْــز، والـصَلَــوات" (2: 42). وعـــادَ الأَحْـــبــارُ والـــصَّــــدُّوقِــــيُّــونَ ومَــجْــلِــسُ الــشُــيُــوخِ الـيَــهُودِيُّ وقَــــبَــضُوا عَــلَى الـــرُسُــل، فَحَرَّرَهُمُ الرَبُّ مِنْهُمْ وعادُوا يُبَشِّرُونَ في الهَيْكَل، ثُمَّ اسْتَحْضَرُوهُمْ مِنْ جَدِيد، فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُس: "أللهُ أَوْلَى بِطَاعَتِنَا مِنَ البَشَر، إِلَهُ آبائِنا أَقَامَ يَسُوع، الذِي عَلَّقْتُمُوهُ أَنْتُم عَلَى خَشَبَةٍ فَقَتَلْتُمُوه" (أع 5: 17+). ولَمَّا بَشَّرَ فِيلبُّسُ أَهْلَ السامِرَةِ وقَبِلُوا كَلِمَةَ الله، أَرْسَلَ الرُسُلُ مِنْ أُورَشَلِيمَ بُطْرُسَ ويُوحَنَّا، ضَمانَةً لإِيمانِ وَوَحْدَةِ الكَنِيسَةِ المُنْتَشِرَةِ في السامِرَةِ مَعَ الكَنِيسَةِ الأُمِّ في أُورَشَلِيم (8: 14-15). وبَشَّرَ بُطْرُسُ أَيْضًا في المِنْطَقَةِ الساحِلِيَّةِ المُمْتَدَّةِ مِنْ يَافَا جَنُوبًا حَتَّى حَيْفَا شَمالًا، مُرُورًا بِالقَيْصَرِيَّةِ البَحْرِيَّةِ حَيْثُ كانَ اعْتِمادُ كُرْنِيلِيُوسَ وجَميعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وأَصْدِقائِهِ الأَقْرَبِين، عَلَى يَدِ بُطْرُس، حَدَثًا مُهِمًّا جِدًّا في الكَنِيسَةِ الأُوْلَى، وانْفِتاحِهَا عَلَى العَالَمِ الوَثَنِيّ، بَعْدَ العَالِمِ اليَهُودِيِّ العِبْرِيِّ والهِلِّينيّ، ثُمَّ العَالَمِ السامِرِيّ، لِيَشْمَلَ الشُعُوبَ كافَّة. بَعْدَ ذَلِكَ يُخْبِرُنا لُوقَا أَنَّ المَلِكَ هِيرُودُسَ أَغْرِيبَا الأَوَّلَ قَتَلَ بِحَدِّ السَّيفِ يَعْقوبَ الرَسُولَ ابْنَ زَبَدَى، أَوَّلَ رَسُولٍ شَهِيد، سَنَةَ 42، وأَمْسَكَ أَيْضًا بُطْرُسَ وَوَضَعَهُ في السِجْنِ في السَنَةِ نَفْسِهَا. ولَكِنَّ اللهَ نَجَّاهُ مِنَ الحَبْس، وذَهَبَ إِلَى مَكَانٍ مَجْهُول، ولا يَعُودُ لُوقَا يَذْكُرُهُ إِلَّا مَرَّةً واحِدَةً في المَجْمَعِ الرَسُوليّ، في أُورَشَلِيمَ سَنَةَ 49 (15: 7-11). كَتَبَ بُطْرُسُ رِسَالَتَهُ الأُولَى إِلَى المَسِيحِيِّينَ الساكِنِينَ في خَمْسِ مُقَاطعاتٍ رُومانِيَّةٍ في آسْيَا. ويَرَى الشارِحُونَ فِيهَا أَوَّلَ تَعْبِيرٍ وأَوْفاهُ عَنْ مَبادِئِ الحياةِ المَسِيحِيَّةِ الأُوْلَى: المَسِيحيُّونَ إِخْوَةٌ تَرْبِطُهُم أَواصِرُ المَحَبَّة، وتَضُمُّهُم جَماعَةٌ واحِدَةٌ في وَحْدَةِ الرَأْيِ، ورُوحِ الخِدْمَة، ومَجَّانِيَّةِ الغُفْران، وتَجَنُّبِ كُلِّ شَرّ. والمَسِيحِيُّونَ مُتَغَرِّبُونَ في الأَرْض، لَكِنَّهُم يَنْتَظِرُونَ المَجْدَ الآتي الأَبَدِيّ. والمَسِيحِيُّونَ يَنْتَقِلُونَ بِالعِمَادِ مِنَ الظُلْمَةِ إِلَى النُور، فَيَصِيرُونَ شَعْبًا لِلَّهِ مُقَدَّسًا، وكَهَنَةً يُقَرِّبُونَ لِلَّهِ الصَلاةَ والذَبائِحَ الرُوحِيَّةَ بِغَيْرِ انْقِطاع، ويَتَفَرَّدُ بُطْرُسُ الكاتِبُ بِنَظْرَتِهِ اللاهُوتِيَّةِ إِلَى كَهَنُوتِ المَسِيحِ المُلُوكِيّ. والمَسِحِيُّونَ يَشْتَرِكُونَ في آلامِ الفادِي، مُقْتَدِينَ بِهِ، كَمَا دَلَّ الرُوحُ القُدُسُ في الأَنْبِياءِ عَلَى آلامِ المَسِيحِ ومَجْدِهِ. يُجْمِعُ التَقْليدُ عَلَى أَنَّ نَيْرُونَ (54-68) قَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ وسَجَنَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَلْبِهِ، فَطَلَبَ بُطْرُسُ أَنْ يُصْلَبَ مُنَكَّسًا، لا مِثْلَ مُعَلِّمِهِ، لأَنَّهُ أَنْكَرَ مُعَلِّمَهُ ثَلاثَ مَرَّات. وكانَ ذَلِكَ في رُوما، سَنَةَ 67. وأَمَّا القِدِّيسُ بُولُسُ فَقَدْ وُلِدَ حَوالَى السَنَةِ 8 في مَدِينَةٍ تُرْكِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ في كِيلِيكْيَا، إِسْمُهَا طَرْسُوس، مِنْ عَائِلَةٍ يَهُودِيَّةٍ عِبْرانِيَّة، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِين، فَرِّيسِيَّةٍ مُحافِظَةٍ غَيُورَةٍ عَلَى شَريعَةِ الرَبّ. خُتِنَ في اليَوْمِ الثامِن. تَرَعْرَعَ في حِضْنِ والِدَين، حَفِظَ مِنْهُمَا مَدَى العُمْرِ الرَأْفَةَ والحَنان، مَــعَ أُخْتٍ لَهُ، وأَنْسِباء. دُعِيَ بِاسْمٍ عِبْرِيٍّ "شَاوُل"، تَيَمُّنًا بِاسْمِ أَوَّلِ مَلِكٍ عَلَى إِسْرائِيل، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِين. ومُنْذُ مَوْلِدِهِ حَصَلَ لَهُ والِدُهُ عَلَى هُوِيَّةِ مُواطِنٍ رُومانيٍّ حُرّ، بِاسْمٍ لاتِينيٍّ "بُولُس"، فَكانَتْ لَهُ هَذِهِ الهُوِيَّةُ جَزيلَةَ الفائِدَة. مُنْذُ حَداثَتِهِ تَعَلَّمَ صَنْعَةَ حِياكَةِ الخِيَام، فَضَمَنَتْ لَهُ كَسْبَ عَيْشٍ كَريم. تَعَلَّمَ اللُغَتَينِ العِبْرِيَّةَ واليُونانِيَّة، وتابَعَ دُرُوسَهُ حَتَّى دَرَجَةٍ عُلْيَا، في مَدْرَسَةِ طَرْسُوسَ اليُونانِيَّة، وعَرَفَ مُؤَلَّفَاتِ الأُدَباءِ اليُونان، وانْطَبَعَتْ فِيهِ عَلَى العُمْرِ صُوَرٌ وذِكْرَياتٌ مِنْ طُفُولَتِهِ في طَرْسُوس، كَالمَسْرَحِ والأَلْعابِ الرِياضِيَّة، والسِبَاق، ولِبَاسِ الجُنُودِ المُصَارِعِينَ وغَيْرِها. إِنْتَقَلَ إِلَى أُورَشَلِيم، يُتَوِّجُ ثَقَافَتَهُ اليُونانِيَّةَ بِثَقَافَةٍ يَهُودِيَّةٍ دِينِيَّةٍ عَالِيَة، عَلَى قَدَمَي المُعَلِّمِ جَمْلِيئِيل. وانْتَمَى مَثْلَ والِدِهِ إِلَى حِزْبِ الفَرِّيسِيِّين، مُتَعَصِّبًا لِلَّهِ وشَرِيعَتِهِ، سائِرًا بِكُلِّ وَصَايَا الرَبِّ وفَرائِضِهِ سِيرَةً مِثَالِيَّة، مُؤْثِرًا حَياةَ البَتُولِيَّةِ الكَامِلَةِ عَلَى مِثَالِ إِيلِيَّا وإِرْمِيَا. مِنْ غَيْرَتِهِ الفَرِّيسِيَّةِ المُفْرِطَةِ عَلَى شَرِيعَةِ مُوسَى اضْطَهَدَ بِعُنْفٍ شَدِيدٍ كَنِيسَةَ اللهِ حَتَّى ذاعَ صِيتُهُ في أُورَشَلِيمَ وكُلِّ اليَهُودِيَّة، وفي مَجَامِعِ دِمَشْقَ كُلِّها. اهْتَدَى بُولُسُ إِلَى المَسِيحِ بِبَادِرَةٍ مَجَّانِيَّةٍ ودَعْوَةٍ حُرَّةٍ مِنَ المَسِيحِ شَخْصِيًّا، يَوْمَ ظَهَرَ لَهُ بِالمَجْدِ عَلَى طَرِيقِ دِمَشْقَ سَنَةَ 36، وقَلَبَ حَيَاتَهُ رَأْسًا عَلَى عَقِب، وجَعَلَهُ رَسُولًا لِلأُمَم. يَرْوِي لُوقَا دَعْوَةَ بُولُسَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ في أَعْمالِ الرُسُل، دَلالَةً عَلَى أَهَمِّيَّةِ الحَدَثِ في تارِيخِ الكَنِيسَةِ الأُولَى. ويَرْوِي بُولُسُ نَفْسُهُ الحَدَثَ مَرَّتَين، في رِسَالَتِهِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْتُس، وفي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ غَلاطِيَة، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَصِفُهُ، بَلْ يَكْتَفِي بِالتَشْدِيدِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى المَسِيح، كَمَا رَآهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ بُطْرُسُ والرُسُلُ البَاقُون. بَعْدَ اهْتِدائِهِ إِلَى المَسِيح، واعْتِمَادِهِ، أَقَامَ بُولُسُ ثَلاثَ سِنِينَ في دِمَشْقَ وبِلادِ العَرَبِ المُمْتَدَّةِ مِنَ البَتْراءِ جَنُوبًا حَتَّى تَدْمُرَ شَمالًا، يُصَلِّي ويَتَأَمَّل، ويُبَشِّرُ في مَجَامِعِ اليَهُودِ في دِمَشْق، مُبَرْهِنًا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ الله. تَآمَرَ يَهُودُ دِمَشْقَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوه، فَأَخَذَهُ تَلامِيذُهُ لَيْلًا، ودَلَّوهُ في سَلٍّ عَلَى السُور. عادَ بُولُسُ إِلَى أُورَشَلِيمَ سَنَةَ 39، فَكانَ بَرْنَابَا أَوَّلَ مَنْ تَثَبَّتَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ في بُولُس، وقَدَّمَهُ لِلرُسُل، وأَخَذَ بُولُسُ يُنادِي بِاسْمِ الرَبِّ يَسُوعَ في أُورَشَلِيم، راغِبًا البَقاءَ في أُورَشَلِيم، لِيَشْهَدَ لِيَسُوعَ في المَجَامِعِ نَفْسِهَا، حَيْثُ كانَ يَذْهَبُ لِيَسْجُنَ المُؤْمِنِينَ بِيَسُوعَ ويَضْرِبَهُم، غَيْرَ أَنَّ الرَبَّ يَسُوعَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالخُرُوجِ مِنْ أُورَشَلِيم، فَمَا اسْتَطاعَ أَنْ يَمْكُثَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ 15 يَوْمًا. أَحْدَرَهُ الإِخْوةُ إِلَى قَيْصَرِيَّة، ومِنْهَا أَرْسَلُوهُ إِلَى مَدِينَةِ طَرْسُوس، حَيْثُ مَكَثَ خَمْسَ سَنَوات، مُجَرَّدًا مِنْ كُلِّ مَسْؤُولِيَّةٍ كَنَسِيَّةٍ رَسْمِيَّة، صَامِتًا مُنْتَظِرًا مَشِيئَةَ الله، إِلَى أَنْ وافاهُ بَرْنَابَا نَفْسُهُ، سَنَةَ 44، يَبْحَثُ عَنْهُ في طَرْسُوس، بِحَدْسٍ عَبْقَرِيٍّ، وَوَحْيٍ إِلَهِيّ، واصْطَحَبَهُ رَسُولًا مُخْتارًا مُعَاوِنًا لَهُ في إِدارَةِ شُؤُونِ كَنِيسَةِ أَنْطَاكْيَة. وكانَتِ الكَنِيسَةُ الأُمُّ في أُورَشَلِيمَ قَدْ وَكَلَتْ إِلَى بَرْنَابَا إِدارَةَ كَنِيسَةِ أَنْطَاكْيَةَ المَحَلِّيَّة. سَنَةَ 45، بَدَأَتْ فِعْلًا رِسَالَةُ بُولُس، مُخْتارًا هُوَ وبَرْنَابَا اخْتِيارًا رَسْمِيًّا مِنْ قِبَلِ كَنِيسَةِ أَنْطَاكْيَة، ومُكَرَّسًا لِلرِسَالَة، بِالصَوْمِ والصَلاةِ وَوَضْعِ اليَد (أع 13: 1-3). أَبْحَرَا إِلَى قُبْرُس، يَصْحَبُهُمَا يُوحَنَّا مَرْقُسُ الإِنْجِيلِيّ، نَسِيبُ بَرْنَابَا ويُعَاوِنُهُمَا. وبَشَّرا وجَازا الجَزِيرَةَ كُلَّهَا، مَسَافَةَ 150 كِيلُومِتْرًا، وَوَصَلَا إِلَى بَافُس، مَرْكَزِ الوالي الرُومانيّ. هُنَاكَ آمَنَ عَلَى يَدِهِمَا الوالي سَرْجْيُوسُ بُولُس. وأَبْحَرُوا مِنْ قُبْرُسَ إِلَى بَمْفِيلْيَة، وأَتَوا بَرْجَةَ حَيْثُ فارَقَ مَرْقُسُ رَفِيقَيهِ لأَسْبابٍ نَجْهَلُهَا، وتابَعَ بُولُسُ وبَرْنَابَا وبَشَّرا مِنْطَقَةَ جَنُوبيِّ تُرْكِيَّا كُلَّهَا، وأَقَاما في كُلِّ كَنِيسَةٍ شُيُوخًا مُدَبِّرِين، بِوَضْعِ اليَدِ والصَوْمِ والصَلاة. عادا إِلَى أَنْطَاكْيَة، ثُمَّ صَعِدا إِلَى أُورَشَلِيم، إِلَى مَجْمَعِ الرُسُلِ سَنَةَ 49، وَهُوَ الحَدَثُ الأَكْبَرُ والأَهَمُّ في الكَنِيسَةِ الأُولَى. ومِنْ مَجْمَعِ الرُسُلِ رَجَعَا إِلَى أَنْطَاكْيَة، يَصْحَبُهُمَا سِيلا ويَهُوذَا، وهُمَا نَبِيَّانِ مَرْمُوقانِ مِنْ كَنِيسَةِ أُورَشَلِيم. بَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ انْفَصَلَ بُولُسُ عَنْ بَرْنَابَا، بِسَبَبِ مَرْقُس، واختارَ سِيلا رَفِيقًا لَهُ، وانْطَلَقَا يَتَفَقَّدانِ الكَنائِسَ التي أَسَّسَهَا بُولُسُ وبَرْنَابَا في الجَوْلَةِ الأُولَى. وفي لِسْتَرَةَ اسْتَصْحَبَ تِلْمِيذًا اسْمُهُ تِيمُوتاوُس، الذِي سَيَكُونُ المُعَاوِنَ الأَمِينَ الوَفيَّ إِلَى النِهَايَة. ثُمَّ طافُوا مَنَاطِقَ جَدِيدَة، والرَبُّ يُسَيِّرُ خُطاهُما، حَتَّى انْتَهَوا إِلَى تْرُوَاس، آخِرِ مَدِينَةٍ عَلَى حُدُودِ الشَرْقِ والغَرْبِ القَدِيم. وفِيهَا لَقِيَ بُولُسُ لُوقَا الإِنْجِيلِيَّ الذِي سَيُرافِقُهُ حَتَّى سَنَةِ 62 وَهُوَ في السِجْنِ في رُوما. لأَوَّلِ مَرَّةٍ عَبَرَ بُولُسُ إِلَى الغَرْب، حامِلًا غِنَى الإِنْجِيلِ والإِيمانِ المَسِيحِيِّ بَدَلَ الفَلْسَفَةِ والحَضَارَة. فِيلِبِّـي كانَتِ المَدِينَةَ الأُولَى في مُقَاطَعَةِ مَقْدُونْيَةَ الرُومانِيَّة، والمَدِينَةَ الأُولَى التي أَسَّسَ فِيهَا كَنِيسَة، سَوْفَ يَكْتُبُ إِلَيْهَا رِسَالَةً مِنَ الرُوحِ إِلَى الرُوحِ سَنَةَ 56. كَذَلِكَ في تَسَالُونِيكِي، عَلَى بُعْدِ 150 كِيلُومِتْرًا مِنْ فِيلِبِّـي. ثُمَّ في بِيرْيَةَ عَلَى بُعْدِ 75 كِيلُومِتْرًا مِنْ تَسَالُونِيكِي. وأَكْمَلَ بُولُسُ وَحْدَهُ إِلَى أَثِينَا، وَهِيَ تَبْعُدُ 400 كِيلُومِتْرًا عَنْ بِيرْيَة، ثُمَّ إِلَى كُورِنْتُسَ عَلَى بُعْدِ 600 كِيلُومِتْرًا مِنْ أَثِينَا، في مُنْتَصَفِ سَنَةِ 50، وهُنَاكَ لَحِقَ بِهِ سِيلا وتِيمُوتاوُس، فَكَتَبَ الرِسَالَةَ الأُولَى إِلَى تَسَالُونِيكِي، حَالًا بَعْدَ وُصُولِ رَفِيقَيْهِ. بَقِيَ بُولُسُ سَنَةً ونِصْفَ السَنَةِ فـي كُـورِنْــتُــسَ يُـعَــلِّــمُ كَــلِمَةَ الله. ثُمَّ عادَ إِلَى أَنْطَاكْيَةَ مُرُورًا بِأُورَشَلِيمَ أُمِّ الكَنَائِس. عادَ بُولُسُ في جَوْلَةٍ رَسُولِيَّةٍ ثالِثَةٍ يَتَفَقَّدُ الكَنَائِسَ التي أَسَّسَهَا في الجَوْلَتَينِ السَابِقَتَين. تَوَجَّهَ تَوًّا مِنْ أَنْطَاكْيَةَ إِلَى غَلاطِيَة، وانْتَهَى إِلَى أَفَسُسَ حَيْثُ عَمَّدَ اثْنَي عَشَرَ تِلْمِيذًا بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ تَعْلِيمَهُمُ المَسِيحِيّ. واسْتَأْجَرَ مَدْرَسَةَ تِيرِنُّس، عَلَّمَ فِيهَا ثَلاثَ سِنِين، شارِحًا الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ والتَعْلِيمَ الرَسُوليّ، حَتَّى صارَتْ أَفَسُسُ مَرْكَزَ إِشْعَاعٍ مَسِيحِيٍّ يُضَاهِي أُورَشَلِيم. هُنَا كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّـي سَنَةَ 56، والرِسَالَةَ الأُولَى إِلَى كُورِنْتُسَ ثُمَّ الثانِيَة، سَنَةَ 57، ثُمَّ الرِسَالَةَ إِلَى غَلاطِيَة، في أَواخِرِ هَذِهِ السَنَةِ عَيْنِهَا. غادَرَ بُولُسُ أَفَسُسَ إِلَى مَقْدُونْيَةَ وأَخَائِيَةَ وَمِنْ هُنَاكَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ رُومَا سَنَةَ 58. ثُمَّ قَــصَـدَ أُورَشَــلِيــمَ حَــامِـــلًا إِلَـــيْــهَا إِحْسَاناتِ المُؤْمِنِينَ مِنْ كَنائِسِ مَقْدُونْيَةَ وأَخَائِيَة. وفي أُورَشَلِيم، بَيْنَمَا كانَ بُولُسُ في الهَيْكَل، قَبَضَ اليَهُودُ عَلَيْهِ، وأَوْسَعُوهُ ضَرْبًا، مُلْتَمِسِينَ قَتْلَهُ، لَكِنَّ الجُنُودَ الرُومانَ انْتَشَلُوهُ مِنْ أَيْدِيهِم وأَوْثَقُوه. نُقِلَ بُولُسُ لَيْلًا إِلَى قَيْصَرِيَّة، حَيْثُ باتَ مَحْرُوسًا في قَصْرِ هِيرُودُسَ مُدَّةَ سَنَتَين، بِفَضْلِ هُوِيَّتِهِ الرُومانِيَّة. وبِهَا أَيْضًا رَفَعَ دَعْواهُ إِلَى مَحْكَمَةِ رُوما فَاسْتَجَابَ الوالي طَلَبَهُ، بِصِفَتِهِ مُواطِنًا رُومانِيًّا. كانَ سَفَرُهُ إِلَى رُوما مَحْفُوفًا بِالأَخْطار، لَكِنَّ اللهَ نَجَّاهُ ونَجَّى جَمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ، وعَدَدُهُم 276 شَخْصًا. وبَقِيَ في رُوما تَحْتَ رَقابَةٍ عَسْكَرِيَّة، في بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ، مُدَّةَ سَنَتَين. ومِنْ هُنَاكَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى كُوُلُسِّي، وإِلَى أَفَسُس، وإِلَى تِلْمِيذِهِ فِيلِمُون. بَعْدَ العَامَين، وَفْقَ الشَرْعِ الرُومانيّ، كانَ عَلَى السُلْطَةِ أَنْ تُطْلِقَ بُولُسَ المُتَّهَم، إِنْ لَمْ يُطَالِبْ أَحَدٌ بِالحُكْمِ عَلَيْهِ. وبَعْدَ ذَلِكَ لا نَعْرِفُ شَيْئًا ثابِتًا عَنْ حَيَاةِ بُولُس، سِوَى اسْتِشْهَادِهِ بِقَطْعِ الرَأْسِ سَنَةَ 67 في رُوما. كَرَّسَتْ لَهُ الكَنِيسَةُ الجَامِعَةُ سَنَةً يُوبِيلِيَّةً (28 حُزَيْران 2008-28 حُزَيْران 2009)، ذِكْرَى مُرُورِ أَلْفَي سَنَةٍ عَلَى وِلادَتِهِ. صَلاتُهُما مَعَنَا. آمين. |