| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ إِيلِيَّا النَبِيِّ الغَيُور وُلِدَ النَبِيُّ إِيلِيَّا سَنَةَ 927 قَبْلَ المَسِيح، ومَعْنَى اسْمِهِ "إِلَهِي هُوَ يَهْوَه"، وَهُوَ مِنْ سِبْطٍ لاوِيّ، مَنْ عَشِيرَةِ هَارُون. كانَ مِنْ سُكَّانِ مِنْطَقَةِ جِلْعاد، مَعْروفًا بِالتِشْبيّ، نِسْبَةً إِلَى تِشْبَة (1 مل 17: 1أ)، مَدِينَةٍ في الشَمالِ عِنْدَ نَهْرِ اليَبُّوق، في جَبَلِ عَجْلُون. تَنَبَّأَ في مَمْلَكَةِ الشَمال (1 مل 17-19. 21؛ 2 مل 1-2). اشْتَهَرَ بِجُرْأَتِهِ وغَيْرَتِهِ عَلَى عِبَادَةِ الإِلَهِ الحَقِيقيِّ وحِفْظِ نَوامِيسِهِ. طُبِعَتْ مَراحِلُ حَيَاتِهِ بِالصِراعِ بَيْنَ عِبَادَةِ اللهِ وعِبَادَةِ البَعْل، الذِي كانَتْ قَدْ أَدْخَلَتْهُ إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ إِيزابِيلُ بِنْتُ مَلِكِ صُورَ وزَوْجَةُ المَلِكِ آحاب (1 مل 16: 30). أَنْذَرَ المَلِكَ بِالجَفافِ بِسَبَبِ عِبَادَةِ الآلِهَةِ الغَريبَة، قائِلًا: "حَيٌّ الرَبُّ، إِلَهُ إِسْرائيل، الذِي أَنا واقِفٌ أَمامَهُ. إِنَّهُ لا يَكُونُ في هَذِهِ السِنِينَ نَدًى ولا مَطَرٌ إِلَّا بِأَمْرِي" (1 مل 17: 1ب). حَاوَلَ إِيلِيَّا أَنْ يُوْقِفَ المَلِكَ والمَلِكَةَ والشَعْبَ عَنِ العِبَادَةِ الوَثَنِيَّة، ولا سِيَّمَا في "المُبَاراة" بَيْنَهُ وبَيْنَ كَهَنَةِ بَعْل، عَلَى جَبَلِ الكَرْمِل (1 مل 18). حَنِقَتْ إِيزابِيلُ وأَرْسَلَتْ تُهَدِّدُهُ بِالقَتْل، فَهَرَبَ إِلَى بِئْرِ سَبْعَ ثُمَّ إِلَى جَبَلِ مُوسَى في عُمْقِ صَحْراءِ سِيناء، وَهُوَ يَائِسٌ جَائِع، فَأَتَاهُ مَلاكٌ بِالقُوتِ والمَاءِ مَرَّتَين، وباتَ في مَغارَة. فَناداهُ مَلاكُ الرَبّ: "ما بَالُكَ هَا هُنا يا إِيلِيَّا؟" فَقَال: "إِنِّي غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَبِّ إِلَهِ الجُنُود، لأَنَّ بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ نَبَذُوا عَهْدَكَ وقَوَّضُوا مَذابِحَكَ وقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْف، وبَقِيتُ أَنا وَحْدِي وقَدْ طَلَبُوا نَفْسِي لِيَأْخُذُوها". فَأَمَرَهُ الرَبُّ بِالرُجُوعِ إِلَى الدِفاعِ عَنِ الحَقّ. فَعَادَ وَوَبَّخَ المَلِكَ وامْرَأَتَهُ واتَّخَذَ أَلِيشَاعَ تِلْمِيذًا لَهُ. فَغَارَ غَيْرَةً عَظِيمَةً عَلَى شَرِيعَةِ الرَبِّ وكانَ اللهُ يَعْضُدُهُ بِقُوَّةِ المُعْجِزات. ذَكَرَ العَهْدُ الجَدِيدُ أَرْبَعًا مِنْ عَجَائِبِ إِيلِيَّا: الجَفَاف، في رِسَالَةِ يَعْقُوب: "كانَ إِيلِيَّا بَشَرًا ضَعِيفًا مِثْلَنَا، فَصَلَّى بِحَرارَةٍ حَتَّى لا يَنْزِلَ المَطَر، فَلَمْ يَنْزِلِ المَطَرُ عَلَى الأَرْضِ ثَلاثَ سِنِينَ وسِتَّةَ أَشْهُر. ثُمَّ صَلَّى مِنْ جَدِيد، فَأَمْطَرَتِ السَمَاء، وأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا" (5: 17-18)؛ وإِحْيَاءَ ابْنِ أَرْمَلَةِ صَرْفَتْ صَيْدَا، في لُوقَا: "أَرامِلُ كَثِيراتٌ كُنَّ في إِسْرائيل، أَيَّامَ إِيلِيَّا، حِينَ أُغْلِقَتِ السَمَاءُ ثَلاثَ سِنِينَ وسِتَّةَ أَشْهُر، وحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ في كُلِّ البِلاد، ولَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى أَيٍّ مِنْهُنَّ، بَلْ أُرْسِلَ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ في صَرْفَتْ صَيْدَا" (4: 25-26)؛ وهَرَبَهُ إِلَى جَبَلِ سِينَاء، في رِسَالَةِ القِدِّيسِ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ رُوما: "أَوَمَا تَعْلَمُونَ ما يَقُولُ الكِتَابُ في شَأْنِ إِيلِيَّا، كَيْفَ كانَ يُخَاطِبُ اللهَ شَاكِيًا إِسْرائيلَ ويَقُول: يا رَبّ، قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ، وهَدَمُوا مَذابِحَكَ، وبَقِيتُ أَنا وَحْدِي، وهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي!" (11: 2-3)؛ ودَيْنُونَةَ اللهِ بِالنَار، في لُوقَا: "أَرْسَلَ (يَسُوع) رُسُلًا أَمَامَ وَجْهِهِ، فَذَهَبُوا ودَخَلُوا قَرْيَةَ السَامِرِيِّينَ لِكَيْ يُعِدُّوا لِقُدُومِهِ. فَلَمْ يَقْبَلْهُ السَامِرِيُّونَ لأَنَّهُ كـــانَ مُـــتَـــوَجِّـــهًــا إِلَى أُورَشَـــلِـــيــم. ولَـمَّـــا رَأَى ذَلِـــكَ تِــــلْـمِـيذاهُ يَـعْــقُـوبُ ويُــوحَـنَّــا (ابْــنَــا الــرَعْــد)، قَــالَا: "يــا رَبّ، هَــلْ تُــرِيــدُ أَنْ نَــأْمُــرَ بِــأَنْ تَـــنْــزِلَ نَارٌ مِنَ السَمَاءِ وتُفْنِيهِم". فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ وأَنَّبَهُمَا. وتُضِيفُ بِعْضُ المَخْطُوطات: "وقَال: لَسْتُمَا تَدْرِيَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!" (9: 52-55). لا يَقُولُ النَصُّ الكِتَابيُّ إِنَّ إِيلِيَّا صَعِدَ في المَرْكَبَةِ النَارِيَّة، أَي في مَرْكَبَةِ النارِ الخاصَّةِ بِالله، الذِي هُوَ نارٌ لا يُدْنَى مِنْهُ. بَلْ هُوَ دَخَلَ في العَاصِفَة، أَي إِنَّ عَاصِفَةً رَمْلِيَّةً أَخَذَتْهُ ودَفَنَتْهُ في الصَحْراء، فَمَاتَ كَمَا يَمُوتُ كُلُّ النَاس، ولَكِنَّ اللهَ أَخْفَاهُ عَنِ العُيُونِ لِئَلَّا يَمِيلَ إِلَى تَكْرِيمِهِ وعِبَادَتِهِ شَعْبُ إِسْرائيل، كَمَا ضَلُّوا وعَبَدُوا البَعْلَ في الصَحْراءِ أَيَّامَ مُوسَى. يَذْكُرُ الكِتَابُ المُقَدَّسُ أَنَّ رِسَالَةً وَصَلَتْ مِنْ إيلِيَّا، بَعْدَ مَوْتِهِ، إِلَى المَلِكِ يُورام (2 أخ 21: 12-15). بِسَبَبِ صُعُودِهِ السِرِّيّ، واحْتِمَالِ رُجُوعِهِ، بَقِيَ ذِكْرُهُ حَيًّا في شَعْبِهِ. وكانَ مُتَوقَّعًا لَدَى اليَهُودِ أَنْ يَعُودَ إِيلِيَّا في زَمَنِ العَهْدِ الجَدِيد، كَسَابِقٍ لِلَّهِ الآتي لِيَدِين، أَوْ كَسَابِقٍ لِلْمَسِيحِ المُرْتَجَى (ملا 3: 1، 4). بَعْدَ تَجَلِّي يَسُوعَ عَلَى الجَبَل، وظُهُورِ مُوسَى وإِيليَّا، سَأَلَ التَلامِيذُ بُطْرُسُ ويَعْقُوبُ ويُوحَنَّا مُعَلِّمَهُم يَسُوع: "لِمَ يَقُولُ الكَتَبَةُ أَنَّ عَلَى إِيلِيَّا أَنْ يَسْبِقَكَ في المَجِيء؟". إِسْتَنَدَ عُلَمَاءُ التَوْراةِ إِلَى نُبُوءَةِ مَلاخِي (3: 23)، وكانُوا يُعَلِّمُونَ الشَعْبَ أَنَّ إِيلِيَّا سَيَعُود، ويَسْبِقُ المَسِيحَ الآتي لِيُعِدَّ الشَعْبَ لِلإِيمانِ بِهِ. وتَعَجَّبَ التَلامِيذُ إِذْ رَأَوا إِيلِيَّا عَلَى جَبَلِ التَجَلِّي، دُونَ أَنْ يَقُومَ بِدَوْرِهِ! فَقَالَ لَهُمْ يَسُوع: "إِنَّ يُوحَنَّا المَعْمَدانَ قَامَ بِدَوْرِ إِيلِيَّا" (مت 17: 10-13). مَضَى إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ ومَعَهُ أَلِيشَاعُ تِلْمِيذُهُ. هُنَاكَ ضَرَبَ مَاءَ الأُرْدُنِّ بِرِدائِهِ فَانْفَلَقَ إِلَى نِصْفَينِ فَعَبَرَا كِلاهُمَا عَلَى اليَبَس. وفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمانِ إِذا مَرْكَبَةٌ مِنْ نارٍ وخَيْلٌ مِنْ نارِ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا في العَاصِفَة (2 مل 2: 11). وكانَ ذَلِكَ سَنَةَ 850 قَبْلَ المَسِيح. ولَدَيْنَا شَهَادَةٌ مِنْ سِفْرِ يَشُوعَ بْنِ سِيراخَ تَخْتَصِرُ مَراحِلَ حَيَاةِ إِيلِيَّا، فتقول: "وقامَ إِيلِيَّا النَبِيُّ كَالنَار، وتَوَقَّدَ كَلامُهُ كَالمِشْعَل. وَهُوَ الذِي جَلَبَ عَلَيْهِمِ الجُوعَ وبِغَيْرَتِهِ جَعَلَهُمْ نَفَرًا قَليلًا. بِكَلامِ الرَبِّ أَغْلَقَ السَمَاءَ وأَنْزَلَ نارًا ثَلاثَ مَرَّات. ما أَعْظَمَ مَجْدَكَ يا إِيلِيَّا بِعَجَائِبِكَ! ومَنْ لَهُ فَخْرٌ كَفَخْرِكَ؟ أَنْتَ الذِي أَقَمْتَ مَيْتًا مِنَ المَوْت، ومِنْ مَثْوَى الأَمْواتِ بِكَلامِ العَلِيّ، وأَهْبَطْتَ المُلُوكَ إِلَى الهَلَاك، والعُظَمَاءَ مِنْ أَسِرَّتِهِم، وسَمِعْتَ في سِينَاءَ عِتَابًا، وفي حُورِيبَ أَحْكَامَ انْتِقَام، ومَسَحْتَ مُلُوكًا لِلمُجَازاة، وأَنْبِيَاءَ خُلَفَاءَ لَكَ، وخُطِفْتَ في عَاصِفَةٍ مِنْ نارٍ في مَرْكَبَةِ خَيْلٍ نَارِيَّة، واكْتُتِبْتَ في إِنْذاراتٍ لِلأَيَّامِ الآتِيَةِ لِتُسَكِّنَ الغَضَبَ قَبْلَ انْفِجَارِهِ، وتَرُدَّ قَلْبَ الأَبِ إِلَى الابْن، وتُصْلِحَ أَسْبَاطَ يَعْقُوب. طُوبَى لِمَنْ عَايَنَكَ ولِمَنْ رَقَدَ في المَحَبَّة، فَإِنَّنا نَحْنُ أَيْضًا نَحْيَا حَيَاة" (48: 1-11). في التَقْليدِ السُريانِيّ، يُعْتَبَرُ إِيلِيَّا مِثَالَ الحَيَاةِ الرُهْبَانِيَّةِ الزاهِدَة، لأَنَّهُ تَخَلَّى عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وسَعَى إِلَى التَفْتِيشِ عَنِ اللهِ وَحْدَهُ! صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |
