Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ بَنْدِيلَايْمُون (أَسْيَا) "بَنْدِيلَايْمُون" أَوْ "بَنْدَالْيُون" أَوْ "بَنْتُولَاوُن" كَلِمَةٌ يُونَانِيَّة، تَعْني "كُلِّيَّ العَطْفِ والرَحْمَة"؛ و"أَسْيَا"، كَلِمَةٌ سُرْيَانِيَّة، تَعْني "الطَبِيب". وُلِدَ هَذا البَارُّ في مَدِينَةِ نِيقُومِيدْيَة، العَاصِمَةِ الشَرْقِيَّةِ لِـلإِمْبـراطُـورِيَّـةِ الـرُومـانِـيَّـة، فـي إِقْـلِـيـمِ بِــيــتِـيـنْـيَـة، مِـنْ أَبٍ وَثَنيٍّ وَجِيهٍ يُدْعَى أُوسْتُورْغْيُوس، ووالِدَةٍ مَسِيحِيَّةٍ تَقِيَّةٍ تُدْعَى أُوبْلَا، التي رَبَّتِ ابْنَهَا بِفِكْرٍ مَسِيحِيٍّ وحَيَاةٍ تَقَوِيَّةٍ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، لَكِنَّهَا تُوُفِّيَتْ وَهُوَ صَغِيرُ السِنّ، فَكَانَ كُــلُّ اهْــتِــمَامِ والِــدِهِ الـوَثَـنــيِّ مُــنْــصَــبًّــا عَــلَى تَــثْــقِــيـفِــهِ. نَـجَحَ في دِراسَتِهِ ونَبَغَ في الطِبِّ عَلَى يَدِ أَفْــرُوسِــينُوس، الــطَــبِــيـبِ المَشْهُور، ونــالَ شُــهْــرَةً فَــائِــقَــة، فَــجَــعَــلَــهُ المَلِكُ غَــالِــيرْيُوس (293-311) طَــبِــيــبَـهُ الـخاصّ، وكـانَ يُـحِبُّهُ جِـدًّا مِـنْ أَجْلِ نَجَاحِهِ في طِبِّهِ، ولُطْفِ أَخْلاقِهِ وذَكَائِهِ. وإِذْ نَسِيَ ما لَقَّـنَـتْـهُ إِيَّـاهُ والِــدَتُــهُ فـي طُفُولَتِهِ، حَتَّـى التَقَى بِكَاهِنٍ قِدِّيسٍ ويُدْعَى هِرْمُولَاوُس، الذِي رَأَى فِيهِ نَفْسًا طَيِّبَة، فَفَاتَحَهُ في مَوْضُوعِ الإِيمانِ الحَيِّ والحَاجَةِ إِلَى اللهِ كَمُخَلِّصٍ لِلنَفْسِ والجَسَد. عِنْدَئِذٍ تَجَاوَبَ مَعَهُ بَنْدِيلَايْمُون، مُعْلِنًا لَهُ أَنَّ والِدَتَهُ كَانَتْ مَسِيحِيَّة، لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ تَعْلِيمِهَا لَهُ، لأَنَّهُ صَبَّ كُلَّ اهْتِمَامِهِ في دِراسَاتِهِ وخُصُوصًا الطِبّ. بَدَأَ الشَيْخُ يُحَدِّثُهُ عَنِ السَيِّدِ المَسِيحِ كَطَبِيبٍ قَادِرٍ عَلَى شِفَاءِ النَفْسِ والجَسَد، وبِاسْمِهِ يُشْفَى البَشَرُ مِنَ الأَمْراضِ المُسْتَعْصِيَة. بَدَأَ بَنْدِيلَايْمُونُ يُفَكِّرُ في الأَمْرِ بِجِدِّيَّة. وذاتَ يَومٍ، إِذْ كانَ عَائِدًا إِلَى بَيْتِهِ مِنْ عِنْدِ مُعَلِّمِهِ أَفْرُوسِينُوس، وَجَدَ في الطَرِيقِ غُلامًا لَدَغَتْهُ أَفْعَى فَمَات. عِنْدَئِذٍ تَوَقَّفَ أَمَامَ الغُلام، مُتَذَكِّرًا عِبَاراتِ الشَيْخِ عَنِ المَسِيحِ المُخَلِّص. وصَرَخَ بِإِيمانٍ طَالِبًا مِنَ السَيِّدِ المَسِيحِ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ ذاتَهُ بِإِقَامَةِ هَذا الغُلامِ وقَتْلِ الأَفْعَى. وإِذْ نَادَى بِالاسْمِ القُدُّوسِ تَحَقَّقَ لَهُ مَا طَلَبَ، فَرَجَعَ فَوْرًا إِلَى القِدِّيسِ هَرْمُولَاوُسَ طَالِبًا مِنْهُ المَعْمُودِيَّةَ بِدُونِ إِبْطاء. ذَهَبَ بَنْدِيلَايْمُونُ إِلَى أَبِيهِ الوَثَنيِّ يُبَشِّرُهُ بِمَا حَدَثَ مَعَهُ، فَتَضَايَقَ الأَبُ جِدًّا، لَكِنَّ الابْنَ اجْتَذَبَهُ مَعَهُ بِلُطْفٍ لِلإِيمانِ الحَقّ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ تَرَكَ لابْنِهِ بَنْدِيلَايْمُونَ كُلَّ مَا يَمْلِك. فَأَطْلَقَ القِدِّيسُ عَبِيدَهُ، وبَاعَ أَمْلاكَهُ، وتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَلَى الفُقَراء. وَبَدَأَ يُطَبِّبُ الفُقَراءَ مَجَّانا، ويَرُدُّ الخَطَأَةَ إِلَى التَوبَةِ بِصَلاتِهِ، فَأَمَّهُ النَاسُ أَفْواجًا. جَاءَهُ رَجُلٌ ومَعَهُ ابْنُهُ، كانَ قَدَّمَهُ لأَحَدِ الأَطِبَّاءِ لِعِلاجِ عَيْنَيْهِ، وعِوَضَ العِلاجِ فَقَدَ الابْنُ بَصَرَهُ تَمَامًا، وإِذْ سَمِعَ الطَبِيبُ بَنْدِيلَايْمُونُ بِالأَمْرِ طَلَبَ مِنَ السَيِّدِ المَسِيحِ أَنْ يَشْفِيَ الوَلَد، وبِالفِعْلِ انْفَتَحَتْ عَيْنَاه. سَمِعَ الأَطِبَّاءُ بذَلِكَ، فَكانَتْ فُرْصَةً لَهُمْ لِلشَكْوَى عَلَى الطَبِيبِ بَنْدِيلَايْمُون، لأَنَّهُمْ حَسَدُوهُ عَلَى نَــجَــاحِــهِ، وعَــلَــى مَــحَــبَّــةِ المَلِكِ لَــهُ، فَــوَشَوا بِهِ إِلَى المَلِكِ مَكْسِيمْيَانُوس (285-310)، فَاسْتَحْضَرَهُ إِلَى نِيقُومِيدْيَة، وَلَمَّا وَجَدَهُ ثَابِتًا في إِيمَانِهِ، أَمَرَ بِأَنْ يُعَلَّقَ ويُحْرَقَ بِالمشَاعِل. ظَهَرَ لَهُ المَسِيحُ وشَجَّعَهُ وأَطْفَأَ النَارَ عَنْهُ، فَسَأَلَهُ المَلِكُ: "بِأَيِّ قُوَّةٍ تَصْنَعُ المُعْجِزات؟". أَجَابَ القِدِّيسُ: "بِقُوَّةِ يَسُوعَ المَسِيحِ الإِلَهِ الحَقّ. وإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ فَأَحْضِرْ كَهَنَةَ أَصْنَامِكَ وادْعُ مَرِيضًا ولْيَسْتَغِيثُوا هُمْ بِالأَصْنَام، وأَنَا أَسْتَغِيثُ بِيَسُوعَ المَسِيح، فَالإِلَهُ الذِي يَشْفِي المَرِيضَ يَكُونُ هُوَ الإِلَهَ الحَقِيقيّ". فَأَتَوا بِمُخَلَّع. بَدَأَ كَهَنَةُ الأَصْنَامِ فَقَدَّمُوا الذَبَائِحَ وأَخَذُوا يَسْتَغِيثُونَ بِإِلَهِهِم فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُجِيب. حِينَئِذٍ جَاءَ القِدِّيسُ وصَلَّى عَلَى المُخَلَّع، وأَخَذَهُ بِيَدِهِ وقَالَ لَهُ: "قُمْ بِاسْمِ يَسُوعَ المَسِيح"! فَقَامَ لِسَاعَتِهِ ومَشَى، فَدَهِشَ الحَاضِرُون، وآمَنَ مِنْهُم كَثِيرُون. أَمَّا الأَطِبَّاءُ وكَهَنَةُ الأَصْنَامِ فَازْدادُوا حَنَقًا وغَيْظًا وقَالُوا لِلْمَلِك: "إِنْ لَمْ تُهلِكْ هَذا الكَافِر، بَطُلَتْ عِبَادَتُنَا واضْمَحَلَّت". فَأَمَرَ بِأَنْ يُبْسَطَ الشَهِيدُ عَلَى آلَةٍ مُسَنَّنَةٍ بِأَظْفَارٍ مِنْ حَدِيدٍ مَزَّقَتْ لُحْمَانَهُ وَهُوَ صَابِرٌ يَشْكُرُ الله. ثُـمَّ أَلْـقَــوهُ فـي مِــرْجَلٍ مَمْلُوءٍ رَصَاصًا مَذابًا، فَحَفِظَهُ الرَبُّ وجَـمَدَ الــرَصَــاص. ثُـمَّ طَرَحُوهُ لِلوُحُوشِ فَآنَسَتْهُ ورَبَضَتْ عِنْدَ قَدَمَيهِ. وفي الطَرِيقِ إِلَى المَوْتِ أَتَى بَنْدِيلَايْمُونَ صَوْتٌ يَقُولُ لَهُ: "يا خَادِمًا أَمِينًا، شَهْوَةُ قَلْبِكَ تُعْطَى الآنَ لَكَ. هَا هِيَ أَبْوابُ السَمَاءِ مَفْتُوحَةٌ لَكَ وإِكْلِيلُكَ مُعَدٌّ. مِنَ الآنَ تَصِيرُ مَلْجَأً لِلبَائِسِينَ وعَوْنًا لِلْمُجَرَّبِين، وطَبِيبًا لِلْمَرْضَى وهَلَعًا لِلأَبَالِسَة". بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَرَ المَلِكُ بِقَطْعِ رَأْسِهِ فَنَالَ إِكْلِيلَ الشَهَادَةِ سَنَةَ 303. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |