Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ أَشَعْيَا الحَلَبِيّ وُلِدَ أَشَعْيَا في مَدِينَةِ حَلَب. كانَ أَبُوهُ سُومَاخُوسُ والِيًا عَلَى حَلَبَ مِنْ قِبَلِ المَلِكِ قُسْطَنْطِينَ الكَبِيرِ (306-337)، رَجُلًا فَاضِلًا ذا ثَرْوَةٍ وَفِيرَة، يَعْطِفُ عَــلَــى الــفُــقَــراءِ والمُحْتَاجِين. شَــبَّ أَشَــعْــيَا عَـلَى حُــبِّ الــفَــضِــيـلَــةِ ولا سِــيَّمَا العِفَّة، فَنَذَرَ بِتُولِيَّتَهُ لِلَّه، عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْ والِدَيه. فَكَّرَ في دِراسَةِ عُلُومِ الأَدَبِ والفَصَاحَةِ لأَنَّهَا أَقْرَبُ مِرْقَاةٍ إِلَى ذُرَى المَنَاصِبِ العَالِيَة. لَكِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ لِيُشْرِقَ في سَمَاءِ كَنِيسَتِهِ كَوْكَبًا مُنِيرًا يَقُودُ الضَالِّينَ إِلَى طَرِيقِ الحَيَاة. لَمَّا نَاهَزَ الثَانِيَةَ والعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ أَكْرَهَهُ والِدُهُ عَلَى الزَوَاج، فَاخْتَارَ لَهُ فَتَاةً بَارِعَةَ الجَمَالِ تُدْعَى حَنَّة. بَقِيَا ثَلاثَ سَنَواتٍ يَعِيشَانِ حَيَاةً مَلائِكِيَّةً لا عَيْبَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: "إِنَّنا في هَذِهِ المُدَّةِ كُلِّهَا حَفِظْنَا طَهَارَتَنَا، والآنَ يَدْعُوني الرَبُّ لأَنْضَمَّ إِلَى النُسَّاك. وَهَبْتُ لَكِ هَذِهِ الدارَ وكُلَّ ما فِيهَا". فَأَجَابَتْ حَنَّة: "إِذا كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَصِيرَ راهِبًا، فَأَنَا أَيْضًا سَأَنْضَمُّ إِلَى الراهِبَات. فَانْتَظِرْني رَيْثَمَا أَذْهَبُ إِلَى الدَيْر، ومِنْ ثَمَّ اذْهَبْ أَنْتَ حَيْثُ تَدْعُوكَ النِعْمَةُ الإِلَهِيَّة". أَلْقَتْ عَنْهَا كُلَّ ما كانَ عَلَيهَا مِنَ الحُلَى والذَهَبِ والجَواهِرِ الثَمِينَةِ والثِيَابِ النَفِيسَة، ولَبِسَتْ زِيًّا بَسِيطًا. رافَقَهَا أَشَعْيَا إِلَى بَابِ الدَيْر، فَوَدَّعَهَا وانْطَلَقَ هُوَ إِلَى التَرَهُّبِ فَانْضَوَى تَحْتَ لِواءِ القِدِّيسِ أُوجِين، في مِنْطَقَةِ نَصِيبِين، وراحَ يَسِيرُ مَعَهُ في طَريقِ الكَمَالِ الإِنْجِيلِيِّ والتَبْشِير. وعادَ أَشَعْيَا إِلَى نَواحِي حَلَب وبَنَى قِلِّيَّتَهُ عاكِفًا فِيهَا عَلَى الصَلاةِ والــتَــقَــشُّــف. ذاعَ صِــيــتُ قَــداسَــتِــهِ وعَــجَــائِـــبِهِ، فَأَتاهُ زُهَاءُ سِتِّينَ رَجُلًا يَتَتَلْمَذُونَ لَهُ، فَأَقَامَ لَهُمْ قَلاليَ حَوْلَ مَنْسَكِهِ، وَوَضَعَ لَهُمْ قَوانِين. ولَمَّا قَرُبَ أَجَلُ حَنَّة، أَوْحَى إِلَيهِ اللهُ بذَلِكَ. فَذَهَبَ إِلَى الدَيْرِ والْتَقَى بِهَا وَهِيَ طَرِيحَةُ الفِراش. وما أَنْ رَأَتْهُ حَتَّى قَالَتْ: "هَلُمَّ بِسَلامٍ أَيُّهَا العَرِيسُ الجَدِيد. هَلُمَّ بِسَلامٍ أَيُّهَا البَتُولُ النَقِيّ. هَلُمَّ بِسَلامٍ يا أَخِي القِدِّيس. إِنَّ اللهَ اسْتَجَابَ طِلْبَتِي فَأَحْضَرَكَ هُنَا لِكَيْ أَراكَ قَبْلَ أَنْ أَمُوت". ولِلْحَالِ أَسْلَمَتْ رُوحَهَا، فَفَاضَتْ لِلوَقْتِ رائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ مِنْ جَسَدِهَا المُبَارَك. وبَعْدَ أَنْ عَاشَ في الرَهْبَانِيَّةِ اثْنَتَينِ وسَبْعِينَ سَنَة، رَقَدَ بِالرَّبِّ في 15 تِشْرِينَ الأَوَّل، في أَواخِرِ القَرْنِ الرابِع. وإِلَيهِ تَنْتَسِبُ الرَهْبَانِيَّةُ الأَنْطُونِيَّةُ في لُبْنَان، وقَدْ شَيَّدَتْ عَلَى اسْمِهِ دَيْرَهَا الأُمّ، عَلَى إِحْدَى قِمَمِ لُبْنَان، في مِنْطَقَةِ بْرِمَّانا، جِهَةِ المَتْن. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |