Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ هِيلارْيُونَ الطَابَاتيّ وُلِدَ هِيلارْيُونُ، ومَعْنَاهُ "بَهِيج"، في بَلْدَةٍ تُدْعَى طَابَاتَا، بِالقُرْبِ مِنْ غَزَّة، مِنْ والِدَينِ وَثَنِيَّينِ غَنِيَّينِ سَنَةَ 291. فَأَرْسَلَهُ أَبُوهُ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة لاقْتِبَاسِ العُلُوم، فَنَبَغَ في دُرُوسِهِ. وأَخَذَ يُجَالِسُ العُلَمَاء، وجُلُّهُمْ مِنَ المَسِيحِيِّين. فَدَرَسَ عَلَيهِمِ العَقَائِدَ المَسِيحِيَّة، فَراقَتْ لَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ تَرَفُّعٍ وسُمُوٍّ عَنْ حُطامِ الدُنْيَا. فَآمَنَ بِالمَسِيحِ واعْتَمَد، وكانَ لَهُ مِنَ العُمْرِ 15 عَامًا. ثُمَّ زَهِدَ في خُيُورِ الأَرْضِ وعَكَفَ عَلَى الصَلاةِ والتَأَمُّل. وما سَمِعَ بِالقِدِّيسِ أَنْطُونْيُوسَ الكَبِيرِ حَتَّى سَارَ إِلَيهِ في البَرِّيَّة. فَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَانًا يَسْتَرْشِدُهُ ويَتَمَرَّسُ عَلَى الحَيَاةِ النُسْكِيَّة. ويُقَالُ إِنَّ القِدِّيسَ أَنْطُونْيُوس، عِنْدَمَا التَقَى بِهِ رَأَى فِيهِ إِنَاءً عَظِيمًا لِرُوحِ الرَبّ، فَعَلَّقَ بِالقَوْل: "ها قَدْ حَضَرَ إِلَينا النَجْمُ المُنِيرُ المُشْرِقُ في الصَبَاح". وبَعْدَ أَنْ تَزَوَّدَ نَصَائِحَ القِدِّيسِ أَنْطُونْيُوسَ ولَبِسَ الإِسْكِيمَ مِنْ يَدِهِ، عَادَ إِلَى وَطَنِهِ فَلِسْطِين. وانْحَازَ إِلَى القَفْرِ بِالقُرْبِ مِنْ مَايُومَا، وَهِيَ مَرْفَأُ غَزَّة، في العامِ 307، وسَــكَــنَ مَــنْــسَـكًــا هُــنَــاكَ، وأَخَذَ يُمَارِسُ أَقْسَى التَقَشُّفَات، كَالأَصْوامِ ولِبْسِ المِسْحِ والــتَـأَمُّلِ وعَمَلِ السِلالِ ونَقْبِ الأَرْض، مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَة. دَخَلَ عَلَيهِ اللُصُوص، يَوْمًا، وَهُوَ راكِعٌ يُصَلِّي في مَــغَـارَتِــهِ، فَــقَــالُـوا لَـهُ: "أَلَا تَـخَافُ مِنَ اللُصُوص؟". فَأَجَاب: "مَنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا لا يَخَافُ أَحَدًا". فَقَالُوا: "أَلَا تَخْشَى المَوْت؟". فَقَال: "كَيْفَ أَخْشَاهُ وأَنَا أَسْتَعِدُّ لَهُ في كُلِّ سَاعَة؟". فَأَثَّرَ فِيهِم كَلامُهُ وتَخَشَّعُوا مِنْ مَنْظَرِهِ وانْصَرَفُوا عَازِمِينَ عَلَى إِصْلاحِ سِيرَتِهِمْ بِالتَوْبَة. طارَتْ شُهْرَةُ قَداسَتِهِ، وأَتَاهُ الكَثِيرُونَ يَرْغَبُونَ في السَيْرِ عَلَى طَرِيقَتِهِ، فَقَبِلَهُم وأَنْشَأَ لَهُمُ الدُيُورَةَ وتَوَلَّى إِرْشَادَهُم بِنَفْسِهِ؛ فَأَجْرَى اللهُ عَلَى يَدِهِ آياتٍ كَثَيرَة. مِنْهَا شِفَاءُ ثَلاثَةِ بَنِينَ لامْرَأَةِ أَلْبِيرْدُوسَ رَئِيسِ الحَرَسِ المَلَكِيّ، كانُوا أَشْرَفُوا عَلَى المَوْت. هَكَذَا أَضْحَى القِدِّيسُ هِيلارْيُونُ في فَلِسْطِينَ ما كانَ عَلَيهِ القِدِّيسُ أَنْطُونْيُوس في مِصْر. لَقَدْ حَفِظَ هِيلارْيُونُ الصِلَةَ بِالقِدِّيسِ أَنْطُونْيُوسَ واعْتَبَرَهُ لِنَفْسِهِ أَبًا. أَتَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الإِخْوَةِ مَرَّةً إِلَيهِ وسَأَلَتْهُ: "ما هِيَ عَلامَةُ فَضْلِ الراهِب؟" فَأَجَابَ: "كَثْرَةُ الحُبِّ والاتِّضَاعُ يُزَيِّنَانِ الراهِبَ ويُشَرِّفَانِهِ في الدُنْيَا وفي الآخِــرَة، فَــيَــجِــبُ أَنْ تَــكُـونَ لَــهُ هَـذِهِ الـخِـصَـال: أَنْ يَــكُـونَ عَــاقِــلًا، عَـالِــمًـا، مُحْتَمِلًا، صَبُورًا، وَقُورًا، كَتُومًا، شَكُورًا، مُطِيعًا، مُداوِمًا الصَمْت، مُتَوَفِّرًا عَلَى الصَلاة". ولَمَّا بَلَغَ هِيلارْيُونُ الثَالِثَةَ والسِتِّين، وازْدادَ عَدَدُ الزَائِرِينَ والمَرْضَى وحَاجَاتُ الإِخْوَةِ فَوْقَ الحَدّ، تَضَايَقَ مِنِ ازْدِحَامِ النَاسِ عَلَيه. قَرَّرَ الانْصِرافَ إِلَى الصَمْت، فَتَرَكَ فَلِسْطِينَ وذَهَبَ مَعَ تِلْمِيذٍ لَهُ يُدْعَى هِيزِيكْيُوس، إِلَى لِيبْيَا، ومِنْهَا إِلَى صِقِلِّيَةَ في إِيطَالْيَا، ومِنْهَا جَاءَ دَلْمَاتْيَا، ومِنْهَا إِلَى بَافُس، فَإِلَى قُبْرُس، مُثَابِرًا عَلَى طَرِيقَتِهِ النُسْكِيَّة، مُدَّةَ خَمْسِ سَنَوات، وقَدْ بَــلَــغَ الـثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العُمْر. فَعَرَفَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ وخَافَ مِنَ الدَيْنُونَةِ الرَهِيبَة، لَكِنَّهُ تَشَدَّدَ بِالإِيمانِ والرَجَاءِ بِالله، مُرَدِّدًا هَذِهِ الصَلاة: "أُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَفْسُ إِلَى مُلاقَاةِ رَبِّكِ، لِمَاذا تَخَافِين، وقَدْ جَاهَدْتِ في خِدْمَتِهِ السِنِينَ الطِوال؟" وبِهَذِهِ المُنَاجَاة، رَقَدَ بِالرَّبِّ سَنَةَ 371. وتَرَكَ لِتِلْمِيذِهِ هِيزِيكْيُوسَ كِتَابَ الإِنْجِيلِ والإِسْكِيمَ الجِلْدِيَّ الذِي وَهَبَهُ إِيَّاهُ القِدِّيسُ أَنْطُونْيُوس. فَجَاءَ تِلْمِيذُهُ بِجُثْمَانِهِ الطاهِرِ إِلَى فَلِسْطِين، حَيْثُ اسْتَقْبَلَهُ الرُهْبانُ بِمَظاهِرِ الحَفَاوَةِ والاحْتِرامِ ودَفَنُوهُ في دَيْرِهِ القَدِيم، في مَايُومَا. وكانَ ضَرِيحُهُ يَنْبُوعَ نِعَمٍ وبَرَكَاتٍ لِلرُهْبانِ ولِسَائِرِ المُؤْمِنِين. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |