Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ بَاخُومْيُوسَ الكَبِير وُلِدَ بَاخُومْيُوسُ في جَنُوبيِّ طِيبَة، مِنْ مِصْرَ العُلْيَا، نَحْوَ سَنَةِ 292، مِنْ أَبَوَينِ وَثَنِيَّينِ غَنِيَّين. أَتْقَنَ اللُغَةَ القُبْطِيَّةَ قِراءَةً وكِتَابَة، وإِلَى جَانِبِهَا اللُغَةَ اليُونَانِيَّة. نَحْوَ سَنَةِ 312 انْخَرَطَ في الجُنْدِيَّةِ في خِدْمَةِ الإِمْبِرَاطُورِ مَكْسِيمْيَانُوسَ دَايَا (305-313) ضِدَّ لُوتْشْيَانُسَ (308-324). ولَمَّا صَارَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَة، وكَانَ بَيْنَ الجُنُودِ في مَدِينَةِ طِيبَةَ عَاصِمَةِ الصَعِيد، وهُمْ يُقَاسُونَ أَشَدَّ المَضَايِق، جَاءَ مَسِيحِيُّو المَدِينَةِ يُسَاعِدُونَهُمْ ويُقَدِّمُونَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فَأُعْجِبَ بَاخُومْيُوسُ بِصَنِيعِهِم، ولَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ مَسِيحِيُّونَ رَغِبَ في اعْتِنَاقِ الإِيمانِ المَسِيحِيّ. لَمَّا عَادَ إِلَى بِلادِهِ، أَقَامَ في قَرْيَةٍ فِيهَا كَنِيسَةٌ لِلْمَسِيحِيِّينَ فَتَمَرَّسَ بِمَبَادِئِ الإِيمانِ المَسِيحِيِّ وتَعَلَّمَ أَسْرارَهُ واعْتَمَدَ سَنَةَ 316. فَأَنَارَتْ نِعْمَةُ الرُوحِ القُدُسِ عَقْلَهُ بِالإِيمانِ الحَيّ، وأَضْرَمَتْ قَلْبَهُ بِنَارِ المَحَبَّةِ الإِلَهِيَّة. فَسَارَ إِلَى البَرِّيَّةِ وتَتَلْمَذَ لِنَاسِكٍ إِسْمُهُ بَلَامُون، فَأَلْبَسَهُ الثَوْبَ الرُهْبانيّ، وأَخَذَ يُمَارِسُ مَعَ مُعَلِّمِهِ أَنْواعَ التَقَشُّفِ والنُسْك. ثُمَّ بَنَى بَاخُومْيُوسُ صَوْمَعَةً سَكَنَهَا وتَتَلْمَذَ لِلْقِدِّيسِ أَنْطُونْيُوسَ الكَبِيرِ الذِي كَانَ قَدْ أَنْشَأَ دَيْرَهُ الأَوَّلَ سَنَةَ 318 في طَبَانِيسَ، وقَدِ اشْتَهَرَتْ قَداسَةُ بَاخُومْيُوسَ فَقَصَدَهُ كَثِيرُونَ مُتَتَلْمِذِينَ لَهُ وأَوَّلُهُمْ أَخُوهُ يُوحَنَّا. فَأَصْبَحَ بَاخُومْيُوسُ رَئِيسًا عَلَى مِئَةِ راهِب. وفي سَنَةِ 329 أَسَّسَ خَمْسَةَ أَدْيارٍ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ النِيل، وأَعْطَاهَا اسْمَ "الشَرِكَة". وفي سَنَةِ 333، جاءَ أَثَنَاسْيُوسُ بَطْرِيَرْكُ الإِسْكَنْدَرِيَّة، لِيَزُورَ بَاخُومْيُوسَ ورُهْبانَهُ فَسُرَّ جِدًّا بِمَا شَاهَدَهُ مِنَ الازْدِهَارِ في تِلْكَ الدُيُورَةِ ومَا تَحَلَّى بِهِ الرُهْبانُ مِنَ الفَضَائِلِ والكَمَالاتِ الإنْجِيلِيَّة. ونَحْوَ السَنَةِ 340، أَنْشَأَ لِرُهْبَانِهِ، بِإِلْهَامٍ إلهيّ، دَيْرًا جَامِعًا، وَوَضَعَ لَهُمْ قَوانِينَ وفَرائِضَ شَدَّدَ فِيهَا، بِنَوْعٍ أَخَصَّ عَلَى الطَاعَةِ والصَمْتِ والصَوْمِ والشُغْلِ اليَدَوِيّ. وكانُوا يُرَتِّلُونَ المَزامِيرَ مَعًا. وكانُوا يَعْتَنُونَ بِالغُرَبَاء، لا سِيَّمَا المَرْضَى، فَيَخْدُمُونَهُم، وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِم. ويَنْتَشِرُونَ في القُرَى لأَجْلِ تَعْلِيمِ المُؤْمِنِينَ وإِرْشَادِهِمْ وتَبْشِيرِ الوَثَنِيِّينَ بِالإِنْجِيل. وأَصْبَحَ عَدَدُ رُهْبانِهِ ثَلاثَةَ آلافِ راهِبٍ وَزَّعَهُمْ عَلَى عَشَرَةِ أَدْيَار. أَنْشَأَ بَاخُومْيُوسُ أَيْضًا دَيْرًا لِلراهِبَاتِ أَوْكَلَ تَدْبِيرَهُ إِلَى شَقِيقَتِهِ. وقَدْ أَلَحَّ عَلَيْهِ الأُسْقُفُ بِأَنْ يَسِمَهُ كاهِــنًــا فَــاعْــتَــذَرَ. وكــانَ يَــقُــومُ بِـــإِدارَةِ الأَدْيــارِ الـتــي بَــنَــاهَــا ويَــهْــتَــمُّ بِشُؤُونِ رُهْبانِهَا. أُصِيبَ نَحْوَ مِئَةِ راهِبٍ بِوَبَاءِ الطَاعُون، ولَمَّا كَانَ هُوَ نَفْسُهُ يَخْدُمُهُم، أُصِيبَ بِهَذا الوَبَاءِ فَعَرَفَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ. جَمَعَ رُهْبانَهُ وَوَدَّعَهُمْ وحَـضَّـهُـمْ عَـلَى الـثَـبَـاتِ في السَيْرِ بِمُوْجِبِ القَوانِينِ التي وَضَعَهَا لَهُمْ. ثُـمَّ رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْق، ورَسَمَ إِشَارَةَ الصَلِيبِ ورَقَدَ بِسَلامٍ سَنَةَ 346. وفي سَنَةِ 404 نَقَلَ القِدِّيسُ إِيرُونِيمُسُ قَوانِينَ القِدِّيسِ بَاخُومْيُوسَ إِلَى أُورُوبَّا. لا يُمْكِنُ الفَصْلُ بَيْنَ قَداسَةِ بَاخُومْيُوسَ وإِنْتَاجِهِ الفِكْرِيِّ في الحَيَاةِ الرُهْبانِيَّة. لَقَدِ اشْتَهَرَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى التَنْظِيمِ وبِطَرِيقَتِهِ القَشِفَة، وبِمَوْهِبَتِهِ كَأَبٍ رُوحِيّ. فَإِنَّ نِظَامَ الشَرِكَةِ كَمَا أَسَّسَهُ، جَذَبَ قُلُوبَ الكَثِيرِينَ مِنْ قَادَةِ الفِكْرِ الرُهْبانيِّ في الشَرْقِ والغَرْب، مِنْهُمُ القِدِّيسُ بَاسِيلْيُوسُ الكَبِيرُ، والقِدِّيسُ يُوحَنَّا كَاسْيَان، والقِدِّيسُ بِنِدِيكْتُوسُ الذي وَضَعَ نِظَامَهُ المَشْهُورَ كَأَبٍ لِلرَهْبَنَةِ الغَرْبِيَّة، مُقْتَبِسًا الكَثِيرَ مِنَ النِظَامِ البَاخُوميّ. وقَدْ حُفِظَتْ سِيْرَةُ القِدِّيسِ بَاخُومْيُوسَ ونِظَامُ الشَرِكَةِ في كَثِيرٍ مِنَ التَفَاصِيل، إِذْ وَصَلَتْ إِلَيْنَا بِأَكْثَرَ مِنْ لُغَةٍ ولَهْجَة، كَالقُبْطِيَّةِ البُحَيْرِيَّةِ والصَعِيدِيَّةِ وأَيْضًا بِاليُونَانِيَّة. فَإِنْ كَانَ القِدِّيسُ أَنْطُونْيُوسُ الكَبِيرُ يُعْتَبَرُ أَبَا الأُسْرَةِ الرُهْبَانِيَّة، فَإِنَّ القِدِّيسَ بَاخُومْيُوسَ يُعْتَبَرُ أَبَا الحَيَاةِ المُشْتَرَكَة. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |