Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ تِرِيزَا الأَفِيلِيَّة وُلِدَتْ تِرِيزَا في أَفِيلَا في إِسْبَانْيَا عامَ 1515، مِنْ أَبَوَينِ هُما مِنْ أَشْرافِ تِلْكَ البِلاد. كانَتْ والِدَتُهَا تَنْفَرِدُ بِهَا في أُمْسِيَاتِ الشِتاء، فَتُحَدِّثُهَا عَنْ مَحَبَّةِ الله، وعَنِ التَعَبُّدِ لِمَرْيَمَ العَذْراء. فَقَدَتْ تِرِيزَا والِدَتَهَا وَهِيَ في الثالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهَا، فَأَحَسَّتْ بِالضَيَاع. لَكِنَّهَا انْطَرَحَتْ أَمَامَ تِمْثَالِ السَيِّدَةِ العَذْراء، مُصَلِّيَةً بِدُمُوعٍ حَارَّة، طالِبَةً مِنَ العَذْراءِ أَنْ تَكُونَ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا أُمَّهَا. إِنْقَضَتْ أَيَّامُ الحُزْن، فَانْصَرَفَتْ تِرِيزَا لِلَّهْوِ والتَبَرُّج. فَأَخَذَتْ تَتَزَيَّنُ وتَظْهَرُ بِمَظْهَرٍ جَذَّاب، شَأْنُهَا شَأْنُ كُلِّ بَنَاتِ عَصْرِها، فَأَحَبَّهَا وعَشِقَ جَمَالَهَا أَحَدُ أَوْلادِ عَمِّهَا. فَفَقَدَتْ تَقْوَاها، وفَتَرَتْ عِبَادَتُهَا، وجَعَلَتْ هَمَّهَا في تَجْعِيدِ شَعْرِهَا، وتَعْطِيرِ ثِيَابِهَا، والإِدْمانِ عَلَى مُطَالَعَةِ سِيَرِ الفُرُوسِيَّةِ والحُبّ، كَمَا ابْتَعَدَتْ عَنِ الكَنِيسَةِ وحُضُورِ القُدَّاس. شَعَرَ الوالِدُ التَقِيُّ بِمَا يَتَهَدَّدُ ابْنَتَهُ مِنْ مَخَاطِر، فَقَرَّرَ إِنْقَاذَهَا. وَضَعَهَا طَالِبَةً داخِلِيَّةً في مَدْرَسَةِ الراهِبَاتِ الأَغُوسْطِينِيَّاتِ في دَيْرِ "سَيِّدَةِ النِعَم". فَمَا لَبِثَتْ تِرِيزَا أَنْ عَادَتْ إِلَى جَوِّ الصَلاةِ والتَقْوَى وتَذَوُّقِ أُمُورِ الرُوح. بِعُمْرِ 18 سَنَة، قَرَّرَتِ الدُخُولَ إِلَى دَيْرِ التَجَسُّدِ الكَرْمَلِيِّ في مَدِينَةِ أَفِيلَا، عَازِمَةً أَنْ تَعِيشَ لِلَّهِ وَحْدِهِ بِكُلِّ قِواها. وكانَتْ تَظُنُّ أَنَّ الحَيَاةَ فِيهِ صَعْبَةٌ لِلغَايَة. فَفُوجِئَتْ، وَهِيَ ضِمْنَ الدَيْر، بِسُهُولَةِ الحَيَاةِ الرُهْبَانِيَّة، التي كانَتِ الرَاهِبَاتُ الكَرْمَلِيَّاتُ يَعِشْنَهَا، ولَكِنَّ العِنَايَةَ الإِلَهِيَّةَ كانَتْ تُعِدُّ تِرِيزَا لِعَمَلٍ خَطِير، لِقَداسَةٍ سَامِيَة، لِتَغْيِيْرِ مَسْلَكِ تِلْكَ الأَدْيِرَةِ وإِصْلاحِهَا، فَتَعُودَ لِتُصْبِحَ مَعَاقِلَ لِحَيَاةِ التَقَشُّف، والانْقِطَاعِ عَنِ العَالَمِ وإِغْرَاءَاتِهِ، أَمَاكِنَ لِلصَلاةِ والتَأَمُّل، كَمَا كانَتْ مُنْذُ نَشْأَتِهَا الأُولَى. في مَطْلَعِ عَامِ 1554، قَرَأَتْ تِرِيزَا "إِعْتِرافَاتِ" القِدِّيسِ أَغُوسْطِينُوس. هَذا الكِتابُ الزاخِرُ بِمَحَبَّةِ الله، الطافِحُ بِالنَدامَةِ والرُجُوعِ إِلَيهِ تَعَالَى. فَانْفَتَحَتْ عَيْنَاهَا عَلَى الأَسْرارِ العُلْيَا، وبَدَأَتْ تَحْيَا مِنْ جَدِيدٍ حَيَاةَ الصَلاةِ والحَرارَةِ والإِماتَة. وأَخَذَتْ تَقُول: "حَسْبيَ الله". "أَللهُ وَحْدُهُ يَكْفِيني". وعَمِلَتْ عَلَى إِصْلاحِ ذاتِهَا قَبْلَ إِصلاحِ غَيْرِهَا. فَعَكَفَتْ عَلَى التَأَمُّلِ والصَلاةِ العَقْلِيَّة. وأَخَذَتْ تَخْتَبِرُ حَالاتٍ مِنَ الانْخِطَاف. فَلَجَأَتْ إِلَى اسْتِشَارَةِ لاهُوتِيِّينَ كِبَار، مِنْ يَسُوعِيِّينَ ودُومِنِيكَانَ وفْرَنْسِيسْكَان، فَطَمْأَنُوهَا إِلَى أَنَّ هَذا كُلَّهُ مَصْدَرُهُ الله، ولا خَوْفَ عَلَيْهَا. وأَخَذَ الرَبُّ يَسُوعُ يَظْهَرُ لَهَا، ويُضْرِمُ قَلْبَهَا بِنَارِ حُبِّهِ الإِلَهِيّ. فَراحَتْ تَلْبَسُ المِسْحَ الخَشِنَ وتُزَنِّرُ جَسَدَهَا بِحِزامٍ مِنْ مَعْدَنٍ مُسَنَّن، وتَصُومُ وتُصَلِّي. في أَيْلُولَ سَنَةَ 1560 كانَتْ تِرِيزَا وجَمَاعَةٌ مِنَ الراهِبَاتِ يَتَحَدَّثْنَ عَنْ ضَرُورَةِ تَأْسِيسِ دَيْرٍ جَدِيد، تَعِيشُ فِيهِ الراهِباتُ الكَرْمَلِيَّاتُ بِمُوجِبِ القَانُونِ الكَرْمَلِيِّ المُتَشَدِّد. فَأَخَذَتْ تِرِيزَا تُفَكِّرُ بِهَذَا الأَمْرِ مُسْتَعِينَةً بِالصَلاةِ وطَلَبِ النُورِ مِنَ الــعَــلاء. وبَــعْــدَ أَيَّــامٍ نَــالَــتْ مُــوافَــقَةَ رَئِيسِهَا الإِقْليمِيِّ الكَرْمَلِيّ، ومِنْ بَعْدِهِ مُوافَقَةَ رُوما. فَاشْتَرَى لَهَا ذَوُوهَا بَيْتًا، عَمِلَتْ تِرِيزَا عَلَى تَرْمِيمِهِ وإِصْلاحِهِ، لِيُصْبِحَ مُؤَهَّلًا لِسَكَنِ الراهِبَات. وَوَضَعَتْ هَذا الدَيْرَ الجَدِيدَ تَحْتَ حِمَايَةِ القِدِّيسِ يُوسُف. فَأُقِيمَ فِيهِ القُدَّاسُ الإِلَهِيّ، وعُرِضَ القُرْبَانُ المُقَدَّس، وانْتَقَلَتْ إِلَى هَذا الدَيْرِ الجَدِيدِ أَرْبَعُ راهِبَات، وتَوَشَّحَتْ أَرْبَعُ مُبْتَدِئاتٍ بِالثَوْبِ الرُهْبانيّ. وَوُضِعَ حِصْنٌ لِلدَيْرِ فَفُصِلَ عَنِ العَالَم. وأَخَذَتِ الراهِبَاتُ والمُبْتَدِئَات، بِإِشَرافِ تِرِيزَا، يَعِشْنَ حَيَاةَ الفَقْرِ والتَأَمُّلِ والصَمْتِ والعَمَل. كَتَبَتْ كِتَابَهَا "طَرِيقُ الكَمَال"، وكانَتْ واضِعَةً هَدَفَهَا الإِصْلاحِيَّ نُصْبَ عَيْنَيْهَا؛ وأَدْرَكَتْ أَنَّ الحَيَاةَ الرُهْبَانِيَّةَ الأَصِيلَةَ وتَطْبِيقَ القَانُونِ الأَوَّليِّ المُتَشَدِّد، لَنْ يَتَحَقَّقَا إِلَّا بِانْضِمَامِ الرُهْبانِ أَيْضًا إِلَى هَذَا الإِصْلاح. فَكَتَبَتْ بِهَذَا الخُصُوصِ إِلَى الرَئِيسِ العَامِّ فَسَمَحَ لَهَا بِتَأْسِيسِ أَدْيِرَةٍ لِلرُهْبانِ الكَرْمَلِيِّين. وكانَ كَرْمَلِيٌّ شَابّ، هُوَ يُوحَنَّا الصَلِيب (1542-1591) يَحْلُمُ بِالإِصْلاحِ فَطَلَبَ مِنَ الرَئِيسِ العَامِّ الأَبِ رُوبِير وسَمَحَ لَهُ بِاتِّبَاعِ القَانُونِ المُتَشَدِّد. وتَمَّ تَأْسِيسُ أَوَّلِ دَيْرٍ لِلْكَرْمَلِيِّينَ المُتَشَدِّدِين، في 28 تِشْرِينَ الثَاني 1568. كانَتْ تِرِيزَا تُرَدِّدُ لأَخَواتِهَا الراهِبَات: "الحُبُّ هُوَ الفَعَّال". فَهِيَ المَرْأَةُ المَلِيئَةُ بِالحَيَاةِ والعَاطِفَةِ والحَيَوِيَّة، لأَنَّ حُبَّ اللهِ أَخَذَ بِجَوارِحِهَا، فَأَصْبَحَتْ ذاتَ دِينَامِيَّةٍ فَائِقَة، كَرَّسَتْهَا لِخِدْمَةِ أَخَواتِهَا، فَأَضْحَتْ إِشْعَاعًا رُوحِيًّا، ومِنَ المُؤَسِّسَاتِ لِلتَجْدِيدِ في رَهْبَانِيَّتِهَا، بِالإِضَافَةِ إِلَى الأَعْمَالِ الأَدَبِيَّة، مِنْ تَآلِيفَ ورَسَائِلَ قَيِّمَة. في 30 أَيْلُولَ 1582 حَدَثَ لَهَا نَزِيفٌ أَلْزَمَهَا الفِراش. أَدْرَكَتْ أَنَّهَا مُوْشِكَةٌ عَلَى المَوْت. فَاسْتَدْعَتِ الرَاهِبَاتِ وجَمَعَتْهُنَّ حَوْلَهَا وأَعْطَتْهُنَّ تَوْصِيَاتِهَا الأَخِيرَة. وطَلَبَتِ الصَفْحَ مِنْهُنَّ جَمِيعًا. تُوُفِّيَتْ في أَلْبَا، مِنْ تُورْمِسَ في 4 تِشْرِينَ الأَوَّلِ عامَ 1582، عَنْ عُمْرِ سَبْعٍ وسِتِّينَ سَنَة. أَعْلَنَتْهَا الكَنِيسَةُ طُوبَاوِيَّةً سَنَةَ 1614، وقِدِّيسَةً في 12 آذارَ سَنَةَ 1622. أَعْلَنَهَا البَابَا بُولُسُ السَادِسُ (1963-1978)، سَنَةَ 1970 مُعَلِّمَةً أُولَى لِلكَنِيسَةِ مَعَ القِدِّيسَةِ كَاتِرِينَا السِيَانِيَّة. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |