| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ تِيُودُورَا الإِسْكَنْدَرِيَّة وُلِدَتْ تِيُودُورَا في الإِسْكَنْدَرِيَّةِ في أَوائِلِ القَرْنِ الخامِس، مِنْ أَبَوَيْنِ مَسِيحِيَّينِ غَنِيَّين، في أَيَّامِ الإِمْبِرَاطُورِ البِيزَنْطِيِّ زَيْنُون (474-491). كانَتْ تَقِيَّة، بَدِيعَةَ الجَمَال، فَاقْتَرَنَتْ بِشَابٍّ شَرِيفٍ تَقِيٍّ مِــثْـلِهَا، إِسْمُهُ بَفْنُوتْيُوس، وعَاشَتْ مَعَهُ بِالقَداسَةِ والمَحَبَّةِ المَسِيحِيَّةِ الصَادِقَة، هامَ أَحَدُ الشُبَّانِ في حُبِّهَا، وأَخَذَ يُراسِلُهَا ويُراوِدُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَرَفَضَتْ أَوّلًا، لَكِنَّهَا أَخِيرًا سَقَطَتْ مَعَهُ بِالخَطِيئَة. وما لَبِثَتْ أَنْ فَاقَتْ مِنْ غَفْلَتِهَا وظَهَرَتْ لَهَا فَظَاعَةُ خِيَانَتِهَا الزَوْجِيَّة، فَنَدِمَتْ نَدامَةً صَارِمَةً كَادَتْ تُؤَدِّي بِهَا إِلَى قَطْعِ الرَجَاء. لَكِنَّ رَغْبَتَهَا في التَكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِهَا دَفَعَتْهَا إِلَى تَرْكِ بَيْتِهَا، خُفْيَةً عَنْ زَوْجِهَا. ارْتَدَتْ مَلابِسَ الرِجَال، وقَصَّتْ شَعْرَهَا، وانْتَحَلَتِ اسْمَ تِيُودُورُسَ ودَخَلَتْ أَحَدَ الأَدْيَار، وعَكَفَتْ عَلَى التَأَمُّلِ والصَلاةِ ومُمَارَسَةِ أَقْسَى التَقَشُّفَاتِ حَتَّى صَارَتْ مَوْضِعَ إِعْجَابِ الإِخْوَةِ وإِكْبَارِهِم. فَأَرْسَلَهَا الرَئِيسُ مَرَّةً بِمَهَمَّةٍ خَارِجَ الدَيْر، فَالْتَقَتْ بِهَا إِحْدَى البَنَاتِ الشَارِدات، فَراوَدَتْهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَنَفَرَتْ تِيُودُورَا مِنْهَا وَوَبَّخَتْهَا. فَمَا كانَ مِنْ هَذِهِ الابْنَةِ الأَثِيمَةِ إِلَّا أَنْ أَلْصَقَتْ بِهَا التُهْمَةَ الشَنْعَاءَ وشَكَتْهَا لِلرَئِيس، فَاضْطُرَّ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الدَيْر، فَلَمْ تُبَرِّئْ نَفْسَهَا، وحَمَلَتْ عَارَ التُهْمَةِ وسَكَنَتْ كُوخًا قَرِيبًا مِنَ الدَيْرِ مُعْتَصِمَةً بِالصَبْر، مُثَابِرَةً عَلَى الصَوْمِ والصَلاة، مُجَاهِدَةً جِهَادَ الشُهَداء، تَحْتَمِلُ بَرْدَ الشِتَاءِ القَارِس، وحَرَّ الصَيْفِ اللاهِب. أَتَوْهَا بِالوَلَدِ المَظْنُونِ بِهِ ابْنُهَا فَقَبِلَتْهُ وأَخَذَتْ تُغَذِّيهِ بِمَا كانَ يَجُودُ عَلَيْهَا رُعَاةُ المَواشِي هُنَاكَ، مِنَ الحَلِيب، وتُرَبِّيهِ عَلَى خَوْفِ اللهِ وحُبِّ الفَضِيلَة، واسْتَمَرَّتْ عَلَى هَذِهِ الحَالِ سَبْعَ سَنَوات، إِلَى أَنْ رَئِفَ الرَئِيسُ بِهَا، وأَدْخَلَهَا الدَيْرَ مَعَ الغُلام، فَأَقَامَتْ في قِلَّايَةٍ مُنْفَرِدَة، تُواصِلُ جِهَادَهَا بِمُمَارَسَةِ الصَلَواتِ والتَقَشُّفَاتِ مُدَّةَ سَنَتَين. وَلَمَّا شَعَرَتْ بِدُنُوِّ أَجَلِهَا، أَخَذَتْ تُوصِي الغُلامَ بِحِفْظِ وَصَايَا الله، والسُلُوكِ الحَسَنِ بَيْنَ الرُهْبان، والطَاعَةِ لِلرَئِيس، والبُعْدِ عَنْ أَيِّ خَطِيئَة. اسْتَوْدَعَتْهُ اللهَ ورَقَدَتْ بِسَلامٍ سَنَةَ 480. جاءَ الرَئِيسُ والرُهْبانُ لِيُصَلُّوا عَلَيْهَا، وهَمُّوا بِتَجْهِيزِهَا ودَفْنِهَا فَدُهِشُوا إِذْ رَأَوْهَا امْرَأَة، فَجَثَوا أَمَامَ جُثْمَانِهَا يَسْتَغْفِرُونَهَا عَمَّا أَسَاؤُوا بِهِ إِلَيْهَا. وعَلِمَ زَوْجُهَا بَفْنُوتْيُوسُ فَجَاءَ يَتَفَجَّعُ عَلَيْهَا بَعْدَ دَفْنِهَا، وطَلَبَ أَنْ يَتَنَسَّكَ في قِلَّايَتِهَا. وهُنَاكَ عَاشَ ومَاتَ بِالقَداسَة. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |
