| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ هِيلارْيَا وُلِدَتِ البَارَّةُ هِيلارْيَا في الرُبْعِ الأَخِيرِ مِنَ القَرْنِ الخَامِس. هِيَ ابْنَةُ المَلِكِ زَينُون (474–491)، الذِي تَمَيَّزَ بِمَحَبَّتِهِ لِلكَنِيسَة، ولَمْ يُرْزَقْ سِوَى ابْنَتَينِ هِيلارْيَا وتِيُوبِسْتا، فَهَذَّبَهُمَا وعَلَّمَهُمَا أُصُولَ الإِيمانِ القَوِيم. في أَحَدِ الأَيَّامِ سَمِعَتْ في الكَنِيسَةِ كَلِمَاتِ الرَسُولِ عَنْ مُوسَى الذِي بِالإِيمانِ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنًا لابْنَةِ فِرْعَون، مُفَضِّلًا بِالحَرِيِّ أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالخَطِيئَة (عب 24:11-26)، فَالْتَهَبَ قَلْبُهَا بِالحَنِينِ إِلَى تَرْكِ القَصْرِ لِتُمَارِسَ حَيَاةَ العِبَادَةِ الخَفِيَّة. وبِالفِعْلِ في اليَوْمِ التَالي، تَزَيَّتْ بِزِيِّ سُعَاةِ المَلِك، وشَدَّتْ وَسْطَهَا بِمِنْطَقَة، وانْطَلَقَتْ إِلَى البَحْرِ مُتَّجِهَةً إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَهِيَ في الثَانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهَا. هُنَاكَ تَبَارَكَتْ مِنْ كَنِيسَةِ القِدِّيسِ بُطْرُس، وكَنِيسَةِ مار مَرْقُسَ الرَسُول، ثُمَّ سَأَلَتْ أَحَدَ الشَمَامِسَةِ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهَا إِلَى بَرِّيَّةِ شِيهِيت، في صَحْراءِ وادي النَطْرُون، في مِصْر، وقَدَّمَتْ لَهُ مَبْلَغًا لِلإِنْفَاقِ عَلَى الرِحْلَة، بَيْنَمَا كَانَ المَلِكُ أَبُوهَا يَبْحَثُ عَنْهَا بِمَرارَةٍ ولا يَجِدُهَا. دَخَلَتْ دَيْرَ القِدِّيسِ مَكَارْيُوس، وقَابَلَتْ رَجُلًا قِدِّيسًا اسْمُهُ الأَنْبَا بَـمَوِيه، وعَرَضَتْ عَلَيْهِ رَغْبَتَهَا في الرَهْبَنَة، واتَّخَذَتِ اسْمَ هِيلاري. وبَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ عَرَفَ الأَنْبَا بَـمَوِيه أَنَّهَا هِيلارْيَا ابْنَةُ المَلِكِ زَيْنُون، فَكَتَمَ أَمْرَهَا، وجَعَلَهَا في مَغَارَة، وكَانَ يَفْتَقِدُهَا مِنْ حِينٍ إِلَى آخَر، حَيْثُ أَقَامَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة. في مَغَارَتِهَا أَحْكَمَتْ أَفْعَالَ النُسْكِ وأَتْقَنَتِ الفَضَائِلَ وتَسَامَتْ بِالكَمَالِ الرُهْبَانيِّ حَتَّى اشْتَهَرَتْ بِالقَداسَة، وَهِيَ تُجَاهِدُ في عِبَادَةِ اللهِ بِالصَّلَواتِ والتَأَمُّلاتِ وقِراءَةِ الكُتُبِ المُقَدَّسَة، ثَمَاني وثَلاثِينَ سَنَة، وتَقْتَاتُ مِنْ أَثْمارِ الأَشْجَارِ وتَسْتَتِرُ بِأَوْراقِهَا. أَمَّا أُخْتُهَا تِيُوبِسْتَا فَقَدِ اعْتَراهَا مَرَضٌ رَدِيء، فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا والِدُهَا مَالًا كَثِيرًا دُونَ جَدْوَى. أَخِيرًا أَشَارَ عَلَيْهِ رِجَالُ بَلاطِهِ أَنْ يُرْسِلَهَا إِلَى شُيُوخِ شِيهِيت، لأَنَّ صِيْتَ قَداسَتِهِم كَانَ قَدْ بَلَغَ كُلَّ البِلادِ الرُومانِيَّة. فَأَرْسَلَهَا مَعَ أَحَدِ عُظَمَاءِ المَمْلَكَةِ تُرافِقُهُ حَاشِيَةٌ مِنَ الجُنْدِ والخَدَم، وسَلَّمَهُ كِتَابًا إِلَى شُيُوخِ البَرِّيَّةِ يَبُثُّهُمْ أَلَمَهُ، ويَذْكُرُ لَهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ رَزَقَهُ ابْنَتَين، واحِدَةً خَرَجَتْ ولَمْ تَعُدْ، ولا يَعْلَمُ مَكَانَهَا ولا أَخْبَارَهَا، والأُخْرَى قَدِ اعْتَراهَا مَرَضٌ رَدِيءٌ يُعَذِّبُهَا عَلَى الدَوام. وكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ بِهَا عَزاءٌ عَنْ أُخْتِهَا، ويَسْأَلُهُمُ الصَلاةَ عَلَيْهَا لِيَشْفِيَهَا الرَبُّ مِمَّا أَلَمَّ بِهَا. فَلَمَّا وَصَلَتِ الأَمِيرَةُ بِحَاشِيَتِهَا إِلَى بَرِّيَّةِ شِيهِيت، وقَرَأَ الشُيُوخُ كِتَابَ المَلِك، صَلَّوا عَلَيْهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فَلَمْ تَبْرَأْ. أَخِيرًا قَرَّ رَأْيُ الآباءِ أَنْ يَأْخُذَهَا القِدِّيسُ "هِيلارِي"، ويُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَامْتَنَعَ. ولَكِنَّ الشُيُوخَ أَلْزَمُوهُ فَأَخَذَهَا هِيلارِي، وقَدْ عَرَفَتِ القِدِّيسَةُ أُخْتَهَا، وأَمَّا هِيَ فَلَمْ تَعْرِفْهَا. فَكَانَتْ هِيلارْيَا تُعَانِقُ أُخْتَهَا وتُقَبِّلُهَا وتَخْرُجُ فَتَبْكِي كَثِيرًا. وبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بَرِئَتْ أُخْتُهَا مِنْ مَرَضِهَا، فَأَخَذَهَا القِدِّيسُ إِلَى الشُيُوخِ وقَالَ لَهُمْ: بِصَلَواتِكُم أَيُّهَا الآباءُ قَدْ وَهَبَهَا اللهُ الشِفَاء. فَأَعَادُوهَا إِلَى والِدِهَا سَالِمَة. فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَرِحَ مَعَ كُلِّ أَهْلِ القَصْرِ لِعَوْدَتِهَا إِلَيْهِ سَالِمَة. وشَكَرُوا الرَبَّ المَسِيحَ كَثِيرًا، وبَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهَا: كَيْفَ كَانَ حَالُهَا في بَرِّيَّةِ شِيهِيت؟ فَقَالَتْ إِنَّ القِدِّيسَ هِيلارِي الذِي أَبْرَأَهَا بِصَلاتِهِ كَانَ يُعَانِقُهَا ويُقَبِّلُهَا كَثِيرًا. ولَمَّا عَلِمَ المَلِكُ بِذَلِكَ سَاوَرَتْهُ الشُكُوكُ في ذَلِكَ الراهِب، وأَرْسَلَ إِلَى الشُيُوخِ يَطْلُبُ إِرْسَالَ القِدِّيسِ هِيلارِي الذِي أَبْرَأَ ابْنَتَهُ لِيَنَالَ بَرَكَتَهُ. ولَمَّا أَمَرَهُ الشُيُوخُ بِالذَهَابِ إِلَيْهِ بَكَى بُكَاءً حَارًّا أَمَامَ الشُيُوخِ مُتَوَسِّلًا إِلَيْهِمْ أَنْ يَعْفُوهُ. فَقَالُوا لَهُ: هَذا مَلِكٌ بَارٌّ مُحِبٌّ لِلْكَنِيسَةِ المُقَدَّسَة، والواجِبُ يُحَتِّمُ عَدَمَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا أَوْصَتْنَا الكُتُب. وبَعْدَ جَهْدٍ ذَهَبَ إِلَى المَلِكِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ هُوَ ومَنْ مَعَهُ. ثُمَّ اخْتَلَى المَلِكُ والمَلِكَةُ بِهِ وقَالا: كَيْفَ كُنْتَ أَيُّهَا القِدِّيسُ تُعَانِقُ الأَمِيرَة؟ فَقَالَ لَهُمَا الراهِب: أَحْضِرُوا لي الإِنْجِيل، وتَعَهَّدَا لي أَنَّكُمَا لا تَحُولانِ دُوْنَ عَوْدَتي إِلَى البَرِّيَّة، إِذا أَجَبْتُكُمَا عَلَى طَلَبِكُمَا. فَأَحْضَرَا لَهُ الإِنْجِيلَ وتَعَهَّدَا لَهُ كَمَا أَراد، فَأَجَابَهُمَا إِلَى طَلَبِهِمَا، وعَرَّفَهُمَا بِنَفْسِهِ قَائِلًا: أَنَا "ابْنَتُكُمَا هِيلارْيَا"، ثُمَّ رَوَتْ لَهُمَا حَالَهَا مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهَا إِلَى تِلْكَ اللَحْظَة، فَعَلَا صَوْتُ والِدَيْهَا بِالبُكَاء، وحَدَثَ فَرَحٌ كَبِيرٌ في القَصْر، حَيْثُ مَكَثَتْ ثَلاثَةَ أَشْهُر، ثُمَّ أَرادَتِ العَوْدَةَ إِلَى حَيْثُ كَانَتْ، فَلَمْ يُطْلِقَاهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ ذَكَّرَتْهُمَا بِالعَهْدِ الذِي قَطَعَاهُ لَهَا. وكَتَبَ المَلِكُ إِلَى والي مِصْرَ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُرْسِلَ إِلَى البَرِّيَّةِ كُلَّ عَامٍ مَائَةَ إِرْدَبِّ قَمْحٍ (مكيال ضخم) وسِتَّمَائَةَ قِسْطِ زَيْت، وكُلَّ ما يَحْتَاجُ إِلَيْهِ رُهْبانُ الدَيْر. واهْتَمَّ المَلِكُ بِبِنَاءِ القَلالي، وبَنَى قَصْرًا بَدِيعًا في دَيْرِ القِدِّيسِ مَكَارْيُوس. ومِنْ ذَلِكَ الحِينِ ازْدادَ عَدَدُ الرُهْبَانِ في تِلْكَ البَرِّيَّة. أَمَّا القِدِّيسَةُ هِيلارْيَا فَقَدْ أَقَامَتْ بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِنْ عِنْدِ أَبِيهَا إِلَى البَرِّيَّةِ خَمْسَ سَنَوات. ولَمَّا دَنَتْ سَاعَةُ وَفَاتِهَا، أَلْهَمَ اللهُ الأَنْبَا إِيزِيدُورُوسَ والأَنْبَا أَشَعْيَا، فَجَاءَا ودَفَنَاهَا بِكُلِّ إِكْرام، ولَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ أَنَّهَا كَانَتْ فَتَاةً إِلَّا بَعْدَ نِيَاحَتِهَا، ولَهَا مِنَ العُمْرِ 78 سَنَة. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |
