| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ سِمعانَ اللاهُوتِيِّ الجَدِيد تَعَرَّفْنَا إِلَى سِيرَةِ حَيَاتِهِ مِنْ تِلْمِيذِهِ نِيسِتَاسَ سْتِثاتُوس، وَمِمَّا كَتَبَهُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ. وُلِدَ سِمعانُ اللاهُوتِيُّ في غَلاطِيَة، في بَفْلاغُونِيَة، في آسْيَا الصُغْرَى، سَنَةَ 949. فَلَمَّا بَلَغَ الثانِيَةَ عَشْرَةَ أَرْسَلَهُ ذَوُوهُ إِلَى القُسْطَنْطينِيَّةِ لِمُتَابَعَةِ دُرُوسِهِ اسْتِعْدَادًا لِلدُخُولِ في خِدْمَةِ القَيْصَر. سَلَكَ في الطَيْشِ بَعْضًا مِنَ الوَقْت، لَكِنَّهُ تَعَرَّفَ إِلَى رَجُلٍ قِدِّيس، كانَ لَهُ كَأَبٍ رُوحِيّ، هُوَ الراهِبُ الحَبِيسُ سِمعَانُ التَقِيُّ أَوِ السْتُودِيتِيّ، في دَيْرِ سْتُودْيُون، سَنَةَ 963. لَكِنَّ سِمعَانَ هَذا لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقْتَبِلَهُ راهِبًا، لأَنَّهُ كانَ ابنَ 14 سَنَةً فَقَط، وَاكْتَفَى بِإِعْطائِهِ كِتَابَ القِدِّيسِ مَرْقُسَ النَاسِكِ لِيَقْرَأَهُ. حَالَمَا فَتَحَ الفَتَى الكِتابَ طَالَعَهُ القَولُ التالي: "إِذا كُنْتَ تَبْـحَـثُ عَـنِ الشِـفَاءِ فَاعْتَنِ بِـضَـمِـيـرِكَ وَاصْنَعْ مَا يُمْلِيهِ عَلَيك، فَتَجِدَ المَنْفَعَة" (القول 69). لِلْحَالِ اعْتَبَرَ، وَباشَرَ في اتِّباعِ ما يُشِيرُ بِهِ. وراحَ يَسْتَزِيدُ مِنَ الصَوْمِ وَالسَهَر، حَتَّى تَلَقَّى عُرْبُونَ الحُظْوَةِ عِنْدَ اللهَ في مُعَايَنَةٍ عَجِيبَةٍ لِلنُورِ الإِلَهِيّ. وَإِذْ لَمْ تَكُنْ خِبْرَتُهُ الأُولَى هَذِهِ مُؤَسَّسَةً عَلَى رَكَائِزَ لاهُوتِيَّةٍ ثابِتَة، فَإِنَّهُ ما لَبِثَ أَنْ سَقَطَ في الفُتُورِ وَالتَراخِي، لَكِنَّهُ عَادَ فَتَاب، وَلِسَبْعِ سَنَوات، اسْتَمَرَّ في عَلاقَتِهِ بِأَبِيهِ الرُوحِيِّ دُونَ أَنْ يَسْعَى إِلَى الخُرُوجِ مِنَ العَالَم، لِيَنْضَوِيَ تَحْتَ لِواءِ التَرَهُّبِ مُسَلِّمًا نَفْسَهُ إِلَيهِ بِالكَامِلِ سَنَةَ 977. كانَ يَقِفُ أَثْنَاءَ الخِدَمِ الليتُورجِيَّةِ مُطَأْطِئَ الرَأْسِ يَذْرِفُ الدَمْعَ مِدْرارًا لِسَمَاعِهِ النُصُوصَ المُقَدَّسَة. إِنْتَقَلَ مِنْ دَيْرِ سْتُودْيُونَ إِلَى دَيْرِ القِدِّيسِ مَامَا كَطَالِبِ رَهْبَنَة، لَكِنَّهُ حَافَظَ عَلَى صِلَتِهِ بِأَبِيهِ الرُوحِيِّ سِمعَانَ التَقِيّ. وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَنِ اقْتَبَلَ الإِسْكِيمَ مِنْ يَدِ رَئِيسِ الدَيْرِ الأَبِ أَنْطُونْيُوس، وَاتَّخَذَ اسْمَ سِمعانَ تَيَمُّنًا بِمُعَلِّمِهِ. وَبَدَأَ مَرْحَلَةً جَدِيدَةً مِنَ التَرَقِّي الرُوحِيِّ، فَلاذَ بِالصَمْتِ كامِلًا وَكَذَا بِالصَلاة، وَتَأَمَّلَ الكِتَابَ المُقَدَّس، مُكْتَفِيًا لِجَسَدِهِ مِنَ الطَعَامِ بِبَعْضِ البُقُول. مَضَتْ عَلَى القِدِّيسِ في دَيْرِ مار مَامَا سَنَتَانِ لاحَظَ رَئِيسُهُ خِلالَهَا أَنَّهُ تَقَدَّم، في الرُوح، تَقَدُّمًا عَجِيبًا فَسَامَهُ كَاهِنًا سَنَةَ 980. وَرَقَدَ رَئِيسُ الدَيْرِ فَاخْتِيرَ سِمعانُ خَلَفًا لَهُ عَلَى يَدِ البَطْرِيَرْكِ نِيقُولاوُس. كانَتِ الحَيَاةُ الرُهْبَانِيَّةُ مُتَرَاخِيَةً هُنَاكَ وَاسْتَحَالَ المَكَانُ مَدافِنَ لِلْعَامَّة. فَشَرَعَ القِدِّيسُ في إِعَادَةِ بِنَاءِ ما تَهَدَّم، كَمَا أَخَذَ يَسْتَنْهِضُ هِمَمَ الرُهْبانِ سَعْيًا لاجْتِذَابِهِمْ إِلَى التِمَاسِ وَجْهِ العَلِيِّ كَمَا عَرَفَهُ هُوَ. وَأَخَذَ الرُهْبانُ يَنْشَطُونَ في مَعَارِجِ الحَيَاةِ النُسْكِيَّةِ إِلَى أَنْ أَضْحَى الدَيْرُ أَحَدَ أَبْرَزِ الحُصُونِ الرُوحِيَّةِ في المَدِينَة. هَذَا التَطَوُّرُ الطَيِّبُ جَذَبَ العَدِيدَ مِنْ عَامَّةِ المُؤْمِنِينَ وَتَلامِيذَ قَدِمُوا مِنْ بَعِيد. وَإِثْرَ رُؤْيَةٍ نُورَانِيَّةٍ جَدِيدَة، تَلَقَّى هِبَةَ اللاهُوت. مُذْ ذاكَ كانَ إِذا انْخَطَفَ يَصِيرُ في ذُهُولٍ وَإِلَّا أَمْضَى لَيَالِيَهُ في تَأْلِيفِ أَناشِيدَ عَجِيبَةٍ لِلْحُبِّ الإِلَهِيّ، وَهُوَ ما فَتِئَ يُشَكِّلُ إِحْدَى أَثْمَنِ الشَهَاداتِ عَنْ مَفَاعِيلِ النِعْمَةِ في نَفْسِ قِدِّيس. إِنْتِشَارُ كِتاباتِهِ وَتَعَالِيمِهِ أَتَاحَ لِلْعَدِيدِينَ أَنْ يَسْتَعِيدُوا حَمِيَّةَ زَمَنِ الآباءِ القِدِّيسِين. سَنَةَ 1005 اسْتَقَالَ سِمعانُ مِنْ رِئَاسَةِ الدَيْرِ وَاعْتَزَل، حُبًّا لله، في إِحْدَى القَلالي، لِيُعْطِيَ ذاتَهُ بِالكَامِلِ لِسِيرَةِ الهُدُوءِ المُقَدَّسِ وَيَدْعَم، بِالصَلاة، جِهَاداتِ رُهْبانِهِ. وَلَمَّا بَلَغَ سِمعانُ شَيْخُوخَةً مُتَقَدِّمَةً أَصَابَهُ مَرَضٌ مُؤْلِمٌ في الأَحْشَاء، طَالَ أَمَدُهُ وَسَمَّرَهُ في فِراشِهِ بِلَا حَراك. رَغْمَ هَذِهِ العِلَّةِ عَايَنَهُ أَحَدُ تَلامِيذِهِ، أَثْنَاءَ صَلاتِهِ، يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ مُحَاطًا بِنُورٍ لا يُوصَف. رَقَدَ في الرَبِّ في 12 آذارَ سَنَةَ 1022 مُكَمَّلًا بِالفَضَائِل، واعْتُرِفَ بِهِ قِدِّيسًا بَعْدَ نِصْفِ قَرْنٍ عَلَى وَفَاتِهِ. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |
