Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ أَغَاتُون هُوَ أَحَدُ آباءِ البَرِّيَّةِ في القَرْنِ الرابِع، عاشَ مُتَغَرِّبًا لا يَسْتَقِرُّ في مَوْضِع، ولا يَمْلِكُ شَيْئًا البَتَّة. وَلَكِنَّهُ اسْتَطاعَ بِحِكْمَتِهِ الفَائِقَةِ وَتَجَرُّدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرُهُ الفَعَّالُ في حَيَاةِ الكَثِيرِينَ مِنَ الرُهْبان. تَتَلْمَذَ عَلَى يَدَي القِدِّيسِ بِيمِين، الذي كانَ يُوَقِّرُهُ، لأَنَّهُ كانَ يَتَحَدَّثُ مَرَّةً مَعَ بَعْضِ المُتَوَحِّدِينَ وجاءَ ذِكْرُهُ فَدَعَاهُ "أَبَّا أَغَاتُون". بَعْدَهَا ذَهَبَ إِلَى الإِسْقِيط، وَتَعَرَّفَ إِلَى الآباءِ القِدِّيسِينَ أَمُونَ وَمَقَارْيُوسَ وَيُوسُفَ وَبُطْرُسَ في الأَيَّامِ الأُولَى مِنْ وُجُودِهِ هُنَاكَ. تَمَيَّزَ بِمَحَبَّتِهِ، فَمَعَ ما اتَّسَمَ بِهِ مِنْ حَيَاةٍ نُسْكِيَّةٍ قاسِيَة، كانَ هَمُّهُ الأَوَّلُ مُنْصَبًّا عَلَى حَيَاتِهِ الداخِلِيَّة، خاصَّةً نَقَاوَةِ قَلْبِهِ في عَلاقَتِهِ مَعَ اللهِ والناس، يَحْرِصُ أَلَّا يَشُوبَ قَلْبَهُ شَيْءٌ، لِذَا قالَ: بِدُونِ حِفْظِ الوَصَايَا الإِلَهِيَّةِ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَلَا في فَضِيلَةٍ واحِدَة! إِنِّي ما رَقَدْتُ قَطُّ وَأَنَا حَاقِدٌ عَلَى أَحَد، وَحَسَبَ طَاقَتِي لَمْ أَتْرُكْ أَحَدًا يَرْقُدُ وَهُوَ حَاقِدٌ عَلَيَّ. الغَضُوبُ، وَإِنْ أَقَامَ مَيْتًا، لَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا لَدَى الله. لَوْ كَانَ مُمْكِنًا أَنْ أَلْتَقِيَ بِأَبْرَصَ أُعْطِيهِ جَسَدِي وآخُذُ جَسَدَهُ لَكُنْتُ سَعِيدًا جِدًّا، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ المَحَبَّةُ الكامِلَة. قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ في بَدْءِ حَيَاتِهِ الرُهْبَانِيَّةِ كانَ يَضَعُ في فَمِهِ حَجَرًا صَغِيرًا لِيَتَدَرَّبَ عَلَى السُكُوت، وذَلِكَ عَلَى مَدَى ثَلاثِ سَنَوات. لَمْ يَكُنْ صَامِتًا بِلِسَانِهِ فَحَسْب، وَإِنَّمَا بِقَلْبِهِ أَيْضًا، لا يَسْمَحُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يَدِينَ أَحَدًا، وَيَعْرِفُ أَنْ يَبْنِيَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ بِصَمْتِهِ وَبِكَلامِهِ. وَلَمَّا دَنَتْ سَاعَةُ وَفَاتِهِ اسْتَمَرَّ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ شاخِصًا بِنَظَرِهِ إِلَى السَمَاء، بِدُونِ حَراك. فَسَأَلَهُ رُهْبَانُهُ: "أَيْنَ أَنْتَ، يا أبانا؟". فَأَجَابَهُمْ: "لَقَدْ حَرِصْتُ عَلَى حِفْظِ وَصَايا اللهِ وَقَوانِينِ الرَّهبانِيَّة، بِكُلِّ جَهْدي. وَلَمْ أُخَالِفْهَا البَتَّةَ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَقَصْد. وَبِمَا أَنَّني إِنْسَانٌ، لا أَعْلَمُ إِنْ كُنْتُ قَدْ أَرْضَيْتُ رَبِّي!". فَقَالُوا لَهُ: "أَلَا تَثِقُ أَنَّكَ بِنُسْكِكَ وَجِهادِكَ قَدْ أَرْضَيْتَ الله؟". فَقَالَ: "لا أَثِقُ حَتَّى أُعايِنَ وَجْهَ إِلَهِي، لأَنَّ حُكْمَ اللهِ غَيْرُ حُكْمِ البَشَر!". ثُمَّ رَقَدَ بِسَلامٍ سَنَةَ 370، وَوَجْهُهُ يَطْفَحُ بَهْجَةً وَسُرُورًا، وَقَدْ رَآهُ رُهْبَانُهُ في سَاعَةِ وَفَاتِهِ، كَمَنْ يُعانِقُ مُحبِّيهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |