Biography |
تَذكارُ القِدِّيسَةِ بَاوْلَا وُلِدَتْ سَنَةَ 347، في رُوما، في أُسْرَةٍ مُؤمِنَة، تَنْتَمِي إِلَى طَبَقَةٍ أَرِسْتُقراطِيَّة، في أَيَّامِ المَلِكِ كُونْسْتانْت (337-350)، وقَدْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَثَنِيٍّ، يُدْعَى تُوكُسْوتْيُوس، وَهِيَ بَعْدُ في الخامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِها، لَكِنَّهُ تَرَكَهَا تَحيَا لِلمَسِيحِ كَمَا تُرِيد. أَنْجَبَتْ خَمْسَةَ أَولاد: إِثْنَتَانِ مِنْهُمْ قِدِّيسَتان، بْلَاسِيلَّا وأُوسْتُوكْيُوم. تُوُفِّيَ زَوجُهَا وَهِيَ في الثانِيَةِ والثَلاثِين. ذَرَفَتِ الدَمْعَ سَخِيًّا، لَكِنَّهَا قَرَّرَتْ أَنْ تُكَرِّسَ نَفْسَهَا لخِدْمَةِ اللهِ والفُقَراء. في تِلْكَ الأَثْناءِ تَعَرَّفَتْ إِلَى القِدِّيسِ إيرُونيمُسَ إِثْرَ عَوْدَتِهِ إِلَى رُوما مِنَ الشَرْق. سَمِعَتْ بِأَخبارِ النُسَّاكِ الشَرْقِيِّينَ بِشَغَف، فَعَزَمَتْ عَلَى تَرْكِ رُوما وعَائِلَتِهَا ومُمْتَلَكَاتِهَا لِتَحْيَا في البَرِّيَّة. سَافَرَتْ بِرُفْقَةِ ابنَتِهَا أُوسْطَاكْيَا وعَدَدٍ مِنَ العَذَارَى. عَبَرَتْ قُبْرُسَ وأَنْطَاكْيَة، والتَقَتْ بِالقِدِّيسِ إيرُونِيمُسَ مِنْ جَدِيد، فَكَانَ لَهَا دَلِيلًا في حَجِّهَا إِلَى سُورِيَّا، وَقَدْ مَرَّتْ بِمَدِينَةِ بَيْرُوتَ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ أُورَشَلِيم. وَصَلَتْ إِلَى هُنَاكَ، وأَقَامَتْ في مَنْزِلٍ مُتَواضِع. جَالَتْ في كُلِّ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ بِرُفْقَةِ ابنَتِهَا أُوسْطَاكْيَا، ثُـمَّ واصَــلَتْ سَيْرَهَا إِلَى مِصْر، حَيْثُ زارَتِ الرُهْبانَ في بَرارِي الصَعِيد. ثُمَّ عادَتْ، في غُضُونِ سَنَة، إِلَى بَيْتَ لَحْم، وفـي نِيَّتِهَا أَنْ تُؤَسِّسَ قُرْبَ مَغَارَةِ الميلادِ دَيْرًا لِلْعَذَارَى والأَرامِل، رَفِيقَاتِهَا، وآخَرَ لِلقِدِّيسِ إيرُونيمُسَ ورِفَاقِهِ. وَزَّعَتِ النِسَاءَ عَلَى ثَلاثِ فِئَات، وَفْقَ أَصْلِهِنَّ الاجتِماعِيِّ وإِعْدادِهِنَّ الفِكْرِيّ. وكَانَ لِكُلِّ مَجمُوعَةٍ رِئِيسَة. الراهِباتُ يَفْتَرِقْنَ في العَمَلِ والمَوائِد، ثُمَّ يَجْتَمِعْنَ لِلصَلاةِ اللِيتُورْجِيَّة. إعتَدْنَ تَرْتِيلَ كِتَابِ المزامِيرِ كامِلًا كُلَّ يَوم. كانَ مِنَ المُفْتَرَضِ أَنْ تَحفَظَهُ كُلُّ راهِبَةٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهَا. كَمَا كانَ عَلَى كُلِّ راهِبَةٍ أَنْ تَتَعَلَّمَ مَقْطَعًا مِنَ الكِتَابِ المُقَدَّسِ وتَتَأَمَّلَ فِيه. أَمَّا بَاوْلَا فَتَعَلَّمَتِ العِبْرِيَّةَ واشتَغَلَتْ، بِمُلاحَظَةِ القِدِّيسِ إيرُونيمُس، في التَفْسِيرِ الرُوحِيِّ لِلمَقَاطِعِ الغامِضَةِ مِنَ الكِتَابِ المُقَدَّس. ويَبْدُو أَنَّهَا تَشَبَّعَتْ مِنَ الكَلِمَةِ الإِلَـهِـيَّــة، لِــدَرَجَـةِ أَنَّـهَـا كانَتْ تَجْرِي عَلَى لِسَانِهَا في كُلِّ مُناسَبَةٍ مِنَ المُناسَبَاتِ اليَومِيَّة. كانَتْ بَاوْلَا بِالنِسْبَةِ لِبَنَاتِهَا الرُوحِيَّاتِ نَمُوذَجًا حَيًّا لِكُلِّ فَضِيلَة. لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ المُبَالَغَةَ إِلَّا في الإِحْسَانِ ومَحَبَّةِ الفَقِير. حَتَّى إِنَّ كُلَّ ما لَمْ تَكُنِ الرَهْبَنَةُ بِحاجَةٍ إِلَيه، إعتادَتْ بَاوْلَا أَنْ تُقَدِّمَهُ لِلفُقَراء. وكانَتْ تَستَدِينُ كَثِيرًا مِنْ أَجْلِ المُعْوِزِين. ولَمْ يَكُنْ مِنْ حَدٍّ لِحَسَناتِهَا عَلَى الدُيُورَةِ والفُقَراء. كانَ فِراشُهَا مِنْ مِسْحِ الشَعْر، وعانَتْ آلامًا نَفْسِيَّةً وجَسَدِيَّةً إِذْ تُوُفِّيَ ثَلاثَةٌ مِنْ أَولادِهَا وابتُلِيَتْ بِالأَمْراض. وإذْ أَشْرَفَتْ عَلَى المَوْتِ رَدَّدَتْ: "أَحْبَبْتُ يا رَبُّ جَمَالَ بَيْتِكَ …" (مز 26: 8). وقالَ فِيهَا القِدِّيسُ إيرُونيمُسُ مُرْشِدُهَا وكاتِبُ سِيرَتِهَا: "إِنَّهَا كانَتْ نَمُوذَجًا صَالِحًا، وامتازَتْ بِتَواضُعِهَا، حَتَّى كانَتْ تُعِدُّ نَفسَهَا أَحقَرَ مِنْ جَوارِيهَا وخَدَمِهَا. وكانَ فِراشُهَا مِسْحًا مِنَ الشَعْر. تَقضِي الليلَ بِالصَلاةِ وذَرْفِ الدُمُوع. وقَدْ أَشَرْتُ عَلَيهَا أَنْ تَكُفَّ عَنِ البُكَاءِ حِفْظًا لِنَظَرِهَا، فَأَجابَتْ: "يَلْزَمُ هَذا الجسَدَ الذي تَنَعَّمَ أَنْ يَشْقَى، وأَنْ يُبْدَلَ الضَحِكُ بِالبُكَاء". وبَعدَ حَياةٍ قَضَتْهَا بِعِيشَةٍ مَلائِكِيَّة، مَضَتْ لِتَنالَ ثَوابَ مَبَرَّاتِهَا عِنْدَ الآبِ السَمَاوِيّ، وكانَتْ قَدْ بَلَغَتْ مِنَ العُمْرِ سَبْعًا وخَمْسِينَ سَنَة، سَنَةَ 404. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين. |