Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ مَرْقُسَ الإِنْجِيلِيّ مَرْقُس هو الإِنْجِيلِيُّ الثاني في سِلْسِلَةِ الإِنْجِيلِيِّينَ الأَرْبَعَة. إِنَّ اسْمَ مَرْقُسَ هُوَ لَقَبٌ لَهُ (أع 12: 12، 25)، واسْمُهُ يُوحَنَّا (أع 13: 5، 13). تُسَمَّى أُمُّهُ مَرْيَم، وَهِيَ تَمْلِكُ بَيْتًا في أُورَشَلِيم، حَيْثُ كانَ يَجْتَمِعُ المَسِيحِيُّون (أع 12: 12-17)؛ ولَهَذا، يُعْتَبَرُ مَرْقُسُ مِنْ أُورَشَلِيم. حَيْثُ يُقَالَ أَنَّ المُخَلِّصَ صَنَعَ الفِصْحَ في بَيْتِهِ (مر 14: 12-16). وعِنْدَمَا تَحَرَّرَ بُطْرُسُ عَلَى يَدِ المَلاكِ مِنَ السِجْنِ انْضَمَّ إِلَى الجَمَاعَةِ في بَيْتِ مَرْقُس (أع 12: 12). ولا نَعْلَمُ إِذا كَانَ مَرْقُسُ تِلْمِيذًا مُبَاشَرًا لِيَسُوع، ولَكِنَّ كَثِيرِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ ذاكَ الشَابَّ الذي هَرَبَ عُرْيَانًا لَدَى تَوْقِيفِ يَسُوعَ في بُسْتانِ الزَيْتُونِ كَانَ مَرْقُس (مر 14: 51، 52)، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الإِنْجِيلِيِّينَ يَذْكُرُ هَذِهِ الحادِثَةَ سِوَاه، خَاصَّةً وأَنَّهَا حَادِثَةٌ شَخْصِيَّة. خَالُهُ يُوسُفُ لَقَّبَهُ الرُسُلُ بَرْنَابَا أَيِ ابْنَ العَزاء، وَهُوَ لاوِيٌّ قُبْرُسِيُّ المَوْلِد؛ كَانَ يَمْلِكُ حَقْلًا فَبَاعَهُ، وأَتَى بِثَمَنِهِ وأَلْقَاهُ عِنْدَ أَقْدامِ الرُسُل (أع 4: 36-37). أَرْسَلَ الرُسُلُ بَرْنَابَا إِلَى أَنْطَاكْيَةَ سُورِيَّا، لِيَنُوبَ عَنْهُمْ في إِدارَةِ الكَنِيسَةِ المَحَلِّيَّةِ ويَضْمَنَ بِاسْمِهِمِ اتِّحَادَها مَعَ الكَنِيسَةِ الأُمِّ في أُورَشَلِيم (أع 11: 22). رافَقَ مَرْقُسُ خَالَهُ بَرْنَابَا وبُولُسَ الرَسُولَ مِنْ أُورَشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكْيَة (أع 12: 25)، ثُمَّ في جَوْلَتِهِمَا الرَسُولِيَّةِ الأُولَى (أع 13: 5)؛ ولَكِنَّهُ فَارَقَهُمَا في بَرْجَة، في بَمْفِيلِية، عَلَى مُنْتَصَفِ الطَرِيق، وعَادَ إِلَى أُورَشَلِيم (أع 13: 13). وفي الجَوْلَةِ الرَسُولِيَّةِ الثَانِيَةِ فَارَقَ بُولُسُ بَرْنَابَا، فَاسْتَصْحَبَ بَرْنَابَا مَرْقُس، وأَبْحَرَ إِلَى قُبْرُس (أع 15: 39). بَعْدَهَا نَجِدُهُ في رُوما مَعَ بُولُسَ الأَسِيرِ سَنَةَ 61-62 (كول 4: 10؛ ف 24). ويَذْكُرُهُ بُولُسُ في رِسَالَتِهِ الثَانِيَةِ إِلَى تِيمُوتَاوُس، سَنَةَ 67، بِكَلِمَاتٍ مِنَ المَدِيح: "خُذْ مَرْقُسَ وَأْتِ بِهِ مَعَكَ، لأَنَّهُ يُفيدُني كَثِيرًا في خِدْمَةِ الرَبّ" (2 تيم 4: 11)، ويَذْكُرُهُ بُطْرُسُ الرَسُولُ قِائِلًا: "تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الكَنِيسَةُ التي في بَابِل، والتي هِيَ مُخْتَارَةٌ مِثْلَكُم، ويُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ مَرْقُسُ ابْنِي" (1 بط 5: 13). تُجْمِعُ شَهَادَةُ الآباءِ الأَقْدَمِين، مِنْ مُخْتَلِفِ كَنَائِسِ آسْيَا الصُغْرَى، وأَفْرِيقْيَا، ومِصْر، ورُوما، عَلَى أَنَّ مَــرْقُــسَ هُــوَ مُــتؤَلِّــفُ الإِنْــجِـيــلِ الــثـاني. كَــتَبَهُ لِمَسِيحِيِّينَ مِنْ أَصْلٍ يُونانيٍّ وثَنيّ، مُقِيمِينَ خَارِجَ فَلِسْطِين، وَلِذَلِكَ اضْطُرَّ مِرارًا أَنْ يَشْرَحَ لَهُمُ العَاداتِ اليَهُودِيَّةَ وأَعْيَادَ اليَهُود، ويُتَرْجِمَ لَهُمُ الكَلِمَاتِ الآرامِيَّة. واسْتَعْمَلَ أَيْضًا مُفْرَداتٍ لاتِينِيَّةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَتَبَ في رُوما. والنَقْدُ الأَدَبيُّ لِنَصِّ الإِنْجِيلِ الحَاليِّ يُثْبِتُ أَنَّهُ طَبْعَةٌ جَدِيدَةٌ مَوَسَّعَةٌ ومُنَقَّحَةٌ لِمَرْقُسَ سَابِقٍ أَصْلِيّ. أَمَّا زَمَنُ كِتَابَةِ الإِنْجِيلِ المَرْقُسِيِّ الحَاليِّ فَهُوَ عَلَى الأَرْجَحِ بَيْنَ سَنَةِ 60 و 70 مَسِيحِيَّة. وهُنَاكَ تَقْلِيدٌ عَرِيقٌ يَـجْـعَــلُــهُ أُسْــقُــفًـا عَــلَى مَدِينَةِ جُبَيْل، حَيْثُ نَجِدُ كَنِيسَةً عَرِيقَةً في القِدَم، رَمَّمَهَا الصَلِيبِيُّون، وَهِيَ تَحْمِلُ اسْمَ القِدِّيسِ يُوحَنَّا مَرْقُس. ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة، وبَشَّرَ وَرَدَّ إِلَى الإِيمانِ المَسِيحِيِّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الوَثَنِيِّين. ولَمَّا رَأَى عَبَدَةُ الأَصْنَامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ القِدِّيسُ مَرْقُسُ مِنَ النَجَاحِ في رَدِّ الوَثَنِيِّينَ إِلَى الإِيمانِ بِالمَسِيح، حَنِقُوا وائْتَمَرُوا عَلَى إِهْلاكِهِ. فَفِيمَا كَانَ يَحْتَفِلُ بِالأَسْرارِ المُقَدَّسَةِ يَوْمَ أَحَدِ عِيدِ القِيامَةِ المَجِيد، وَثَبُوا عَلَيهِ ورَبَطُوهُ بِالحِبَالِ وأَخَذُوا يَجُرُّونَهُ في شَوارِعِ المَدِينَةِ قَائِلِين: "لِنَجُرَّ الثَوْرَ إِلَى الحَظِيرَة". فَتَمَزَّقَ جَسَدُهُ واصْطَبَغَتِ الصُخُورُ بِدِمَائِهِ، وَهُوَ يَشْكُرُ اللهَ الذِي أَهَّلَهُ إِلَى الاشْتِراكِ في آلامِهِ، ثُمَّ أَوْدَعُوهُ السِجْن. وفي نِصْفِ اللَيْلِ جَاءَ مَلاكُ الرَبِّ يُعَزِّيهِ ويُشَجِّعُهُ. وظَهَرَ لَهُ السَيِّدُ المَسِيحُ يُقَوِّيهِ ويُهَنِّئُهُ بِإِكْلِيلِ الشَهَادَةِ والمَجْد. وفي الغَدِ اسْتَأْنَفُوا التَنْكِيلَ بِهِ إِلَى أَنْ فَاضَتْ رُوحُهُ الطَاهِرَة، وكانَ ذَلِكَ في 25 نَيْسَانَ سَنَةَ 68 لِلْمَسِيح. في القَرْنِ التاسِعِ أَصْبَحَتِ البُنْدُقِيَّةُ (Venise) في شَمَاليِّ إِيطَالْيَا مَدِينَةَ القِدِّيسِ مَرْقُس، وَهُوَ شَفِيعُهَا. فَفِي سَنَةِ 828، حَمَلَ تَاجِرانِ عِظَامَهُ، دُونَ هَامَتِهِ التي بَقِيَتْ في مِصْر. وفي سَنَةَ 829 شُيِّدَتْ، إِكْرامًا لَهُ، بَازِيلِيك ما بَيْنَ أَجْمَلِ بِازِيلِيكَاتِ العَالَم. نَشَبَ حَرِيقٌ سَنَةَ 976 وأَحْرَقَ البَازِيلِيك، فَأُعِيدَ بِنَاؤُهَا ما بَيْنَ سَنَةِ 1063 وسَنَةِ 1094، وَهِيَ القَائِمَةُ حَالِيًّا، وتُعْتَبَرُ اليَوم كَتُحْفَةٍ فَنِّيَّةٍ عَالَمِيَّة، وفي سَاحَةِ البَازِيلِيك وُضِعَ الأَسَد، الذِي يَرْمُزُ إِلَى مَرْقُسَ الإِنْجِيلِيّ، عَلَى عَمُود، وَهُوَ رَمْزُ المَدِينَةِ أَيْضًا، وهَذا الرَمْزُ نَجِدُهُ أَيْضًا في أَمْبَالاس، وبَيْرُوت، والقُسْطَنْطينِيَّة، وكَانْدْيَا، وغَيْرِهَا. أُعِيدَ مِنْ زَمَنٍ ما بَقِيَ مِنْ رُفَاتِهِ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |