| Biography |
تَذكارُ القِدِّيسِ بِيمِينَ النَاسِك "بِيمِين" كَلِمَةٌ يُونانِيَّةٌ مَعْنَاهَا "رَاعٍ". وُلِدَ هَذا القِدِّيسُ في مِصْر، وهَجَرَ العَالَمَ نَحْوَ السَنَةِ 385، وَلَحِقَ بِهِ إِخْوَتُهُ السِتَّةُ وذَهَبُوا إِلَى بَرِّيَّةِ الإِسْقِيط. وهُنَاكَ قَامُوا يُكَافِحُونَ أَهْوَاءَ الجَسَدِ وشَهَواتِهِ بِأَشَدِّ الإِماتاتِ ومُمَارَسَةِ الفَضَائِل، مُكَرِّسِينَ حَيَاتَهُم لِتَمْجِيدِ الله. أَمَّا بِيمِينُ فَقَدْ تَفَرَّدَ بِفَضِيلَةِ التَواضُعِ والتَقَشُّف، قَاسِيًا عَلَى ذاتِهِ، شَفُوقًا عَلَى غَيْرِهِ. قَسَمَ لَيْلَهُ ثَلاثَةَ أَقْسَام: الثُلْثُ الأَوَّلُ لِلصَلاة، والثَاني لِلشُغْلِ اليَدَوِيّ، والثَالِثُ لِلرُقَاد. أَمَّا النَهَارُ فَيَشْتَغِلُ في القِسْمِ الأَوَّلِ مِنْهُ، وفي الثَاني يَقْرَأُ الكُتُبَ المُقَدَّسَة، وفي الثَالِثِ يَلْتَقِطُ البُقُول، ويَصْنَعُ السِلالَ لِمَعَاشِهِ ولإِغَاثَةِ الفُقَراء. إِمْتَازَ بِدَرْسِ الحَيَاةِ البَاطِنِيَّة، فَتَجَنَّبَ كُلَّ ما يُعَكِّرُ صَفَاءَهَا. جَاءَتْهُ والِدَتُهُ يَوْمًا لِتَرَاهُ، فَلَمْ يُخَاطِبْهَا إِلَّا مِنْ داخِلِ قِلَّايَتِهِ، إِمَاتَةً لأَهْوائِهِ الطَبِيعِيَّة. ومِنْ كَلامِهِ وحِكَمِهِ: "إِنَّ النَفْسَ تَحْتَاجُ إِلَى التَواضُعِ احْتِيَاجَ الجَسَدِ إِلَى النَفَس. وإِنَّ النَاسَ يَضَعُونَ نَقَائِصَهُم وَراءَ ظُهُورِهِم لِئَلَّا يَرَوْهَا، أَمَّا نَقَائِصُ الغَيْرِ فَيَضَعُونَهَا أَمَامَهُم. يَنْمُو الإِنْسَانُ بِالفَضِيلَةِ بِمِقْدارِ حَذَرِهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ الذَاتِيَّةِ وكُفْرانِهِ بِنَفْسِهِ. مَنْ يَضَعُ لِجَامًا لِلِسَانِهِ فَازَ بِالطُمَأْنِينَةِ والسَلام. يَجِبُ أَنْ نُحِبَّ الخَطَأَةَ ونُشْفِقَ عَلَيْهِم كَيْ يَتُوبُوا". مَنَحَهُ اللهُ صُنْعَ المُعْجِزات، فَكَانَ يَشْفِي النَاسَ مِنْ أَمْراضِ النَفْسِ والجَسَد. وأَرادَ أَحَدُ الوُلاةِ أَنْ يَراهُ فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَحَبَسَ ابْنَ أُخْتِهِ قَصْدَ أَنْ يَأْتِيَ خَالُهُ يُخَلِّصُهُ. فَأَتَتْ أُمُّ الشَابِّ تَتَرَجَّى أَخَاهَا لِيُشْفِقَ عَلَيْهَا ويُخَلِّصَ ابْنَهَا مِنَ الحَبْس، فَأَجَابَهَا أَحَدُ الإِخْوَةِ بِلِسَانِهِ: "إِنَّ بِيمِينَ ما خَلَّفَ بَنِين". فَأَصْبَحَ كَلامُهُ هَذا مَضْرَبَ المَثَل. فَأَلَحَّ الوالي عَلَيْهِ بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِرِسَالَةٍ مِنْهُ لِيُطْلِقَ ابْنَ أُخْتِهِ مِنَ الحَبْس. فَكَتَبَ بِيمِينُ إِلَيهِ يَقُول: "إِنْ كَانَ مُذْنِبًا، فَعَامِلْهُ بِحَسَبِ العَدْل، وإِلَّا فَأَطْلِقْهُ". دَهِشَ الوالي مِنْ هَذا التَجَرُّدِ العَجِيبِ فَأَطْلَقَ الشَابّ. كانَ الآباءُ والمُتَوَحِّدُونَ يَتَّخِذُونَ هَذا القِدِّيسَ مُرْشِدًا ومُعَلِّمًا لَهُم، يَقْتَدُونَ بِفَضَائِلِهِ ويَسْتَنِيرُونَ بِإِرْشَاداتِهِ ونَصَائِحِهِ الحَكِيمَة. وكانَتِ التَقَشُّفَاتُ والأَسْهَارُ قَدْ أَنْحَلَتْ جِسْمَهُ فَشَعَرَ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ. واسْتَعَدَّ لِمُلاقَاةِ رَبِّهِ بِالصَلَواتِ والشَّوْقِ إِلَى الاتِّحادِ الدائِمِ بِالله. رَقَدَ بِالرَّبِّ سَنَةَ 451 ولَهُ مِنَ العُمْرِ ثَمَانُونَ سَنَة، قَضَى خَمْسًا وسِتِّينَ مِنْهَا نَاسِكًا في القَفْر. والكُتَّابُ الشَرْقِيُّونَ يَدْعُونَهُ مُشَابِهَ المَلائِكَة، وإِمَامَ المُتَوَحِّدِين، وسَيِّدَ الفَلَوات. ويُشَبِّهُونَهُ بِشَمْسٍ سَاطِعَةٍ تُضِيءُ الآفاق، وبِمِرْآةِ العَدْلِ البَهِيَّة. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين. |
